فقلت في نفسي ويحك يا ابن المبارك، أين أنت من هذه؟ أبسطي حجرك، فصببت الدنانير في طرف إزارها، وهي مطرقة لا تلتفت، وقلت لها: عودي إلى بيتك، فاستعيني بهذه الدنانير على إصلاح شأنك، ونزع الله من قلبي شهوة الحج في هذا العام، ثم تجهزت إلى بلادي، وأقمت حتى حج الناس وعادوا، فخرجت أتلقى جيراني وأصحابي، فصار كل من أقول له: قبل الله حجتك، وشكر سعيك، يقول لي: وأنت قبل الله حجتك وسعيك، إنّا قد اجتمعنا بك في مكان كذا وكذا، وأكثرَ الناس عليّ في القول، فبتُّ مفكراً في ذلك، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو يقول يا عبد الله لا تعجب فإنك أغثت ملهوفة من ولدي، فسألت الله أن يخلق على صورتك ملكاً يحج عنك
ذكر أن البُرعي - يرحمه الله - في حجه الأخير أُخذ محمولاً على جمل، فلما قطع الصحراء مع الحج الشامي وأصبح على بعد خمسين ميلا من المدينة هب النسيم رطبا عليلا معطرا برائحة الأماكن المقدسة، فأزداد شوقه إلى الوصول إليها.
لكن المرضَ أعاقه عن المأمول فأنشأ قصيدة لفظ مع أخر بيت منها نفسه الأخير. يقول فيها:
يا راحلين إلى منى بقيادي ****هيجتمُوا يوم الرحيل فؤادي
سرتم وسار دليلكم يا وحشتي ... ألصوتُُ أقلقني وشوقُ الحادي
حرمتمُوا جفني المنامَ ببعدكم ... يا ساكنين المنحنى والوادي
ويلوح لي ما بين زمزم والصفا **عند المقام سمعتُ صوت منادي
ويقولُ لي يانائما جد السُرى ****عرفات تجلو كلَ قلبٍ صادي
من نال من عرفاتٍ نظرةَ ساعةٍ **نال السرورَ ونال كل مرادِ
تالله ما أحلى المبيت على منى ... في ليل عيد أبرك الأعيادِ
ضحوا ضحاياهم فسال دماءُها ... وأنا المتيم قد نحرت فؤادي
لبسوا لباس البيض شارات الرضا **وانا الملوع قد لبست سوادي
ياربي أنت وصلتهم صلني بهم ... فبحقكم يا رب فك قيادي
فإذا وصلتم سالمين فبلغوا ****مني السلام أُهيل ذاك الوادي
قولوا لهم عبدالرحيم متيمٌ ****ومفارق الأحباب والأولادِ
صلى عليك الله يا علم الهدى ... ما سار ركب أو ترنم حادي
واخيرا وليس اخرا هي قصيدة لشاعر اليمن بعنوان رسالة الي مغترب
1.
أقسى الجروح جروح لا تفيض دماً ... وأغزر الدمع مالم تذرف المقلُ
وإنّا أن ضحكنا في مناسبةٍ ... فإن أحشائنا بالشوق تشتعلُ
من مبلغٌ عن بلادي كل مغرب ... وكل من عن ديار الأهل قد رحلوا
أن السعادة ثكلى دون عودتهم ... ودونهم كل عيدٍ ليس يكتملُ
يامن لنا معكم في البين افئدةٌ ... حيث انتقلتم بهذي الأرض تنتقلُ
ومن تظلون مهما بان منزلكم ... هنا .. ولو حملت أجسادكم زحلُ
لقد صبرنا كثيراً في فِراقكمُ ... وإن مافوق هذا ليس يحتملُ
فلا نمر بليلٍ لا يؤرقنا ... ولابذكراكم إلا وننفعلُ
ياطائر الزاجل انقل من تحيتنا ... إلى الأحبة قدراً كله قبلُ
وقل لهم كل عامٍ -رغم فرقتنا- ... وهم بخيرٍ .. وطمئنهم إذا سألوا
**
إن العقول التي للغرب قد لجأت ... كم يستغل عطاياها وينتحلُ
يمتص منها جديد الرأي ثم إذا ... لقى مناه .. رماها دونما خجلُ
فيا عقولاً من الإحباط هاربة ... لنا بعودتكم من يأسكم أملُ
أناسكم بكم أولى وموطنكم ... قد صار في جسمه من بعدكم شللُُُ
**********
يامن رحلت بعيداً قاطعاً رحماً ... بقى إلى اليوم مشغوفاً متى تصلُُ
ومن تركت سعاداً وهي باكيةٌ ... لازال دمع سعادٍ منك ينهملُ
هل داعبتك الربى الخضراء في حلمٍ ... وهل تراءت لك الأغنام والإبلُ؟
والفاتنات يردن الماء كل ضحىً ... والمزنُ يقطِرُ والوديان تغتسلُ
وهل تذكرت بيتاً كنت تملؤه ... ببهجةٍ ناب عنها بعدك المللُ؟
وهل أكلت بيومِ ما أكلت هنا ... وخبز أمك هل تنساه يارجلُ؟
أم قد نسيت بكثر المالَ أهلك .. أم تقطعت بك عن أوطانك السبلُ؟
أحضاننا ظامئات للعناقِ فهل ... سترتوي ذات يومِ حين تتصلُ
أم أن هذا النوى أضحى لنا قدراً ... فإننا لقضاء الله نمتثلُ
وإن أصغر حظ من تعذبنا ... لمن سيأتيه قبل الآخر الأجلُ
اتمنا ان تنال اعجابك
مع تحيات سيد القوافي
ـ[الأحمر]ــــــــ[27 - 11 - 2003, 11:07 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله كل خير على هذه الفوائد والفرائد
آمل الدقة في الكتابة إملائيًا
ـ[بديع الزمان]ــــــــ[28 - 11 - 2003, 12:00 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا لمجهودك الوافر أخي سيد القوافي 0