تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذه البيتان مع أنه قد أوردهما بعض العلماء كالدميري في " حياة الحيوان الكبرى " وبعض كتب الأدب، إلا أن بطلانهما مع ما ذكر من أخبار ماجنة لا يحتاج إلى دليل، فكيف يتصور من خليفة للمسكلين أن يصنع ذلك، وأن يصر على أن يصلي بالناس جارية، وكيف لم يميز الناس بين صوتها وصوت الخليفة، ولذلك لما ذكر الولبيد عند المهدي قال رجل: إنه زديق. فقال المهدي: مه، خلافة الله أجل من أن يجعلها في زنديق.

وقد رد ابن خلدون – رحمه الله – هذه الأخبار ومن جملتها البيتان، وقال: وروي عنه بيتان تركتهما لفظاعتهما.

3 – ذكر الذهبي في " السير "، و ابن خلكان في " الوفيات " أن أبا تمام دخل على الخليفة المعتصم وأنشده قصيدته التي مطلعها:

ما في وقوفك ساعة من باس نقضي ذمام الاربع الأدراس

حتى بلغ قوله:

إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء أياس

فقال له الوزير: أتشبه أمير المؤمنين بأجلاف العرب؟ فأطرق ساعة ثم قال:

لا تنكروا ضربي له من دونه مثلا شرودا من الندى والباس

فالله قد ضرب الأقل لنوره مثلا من المشكاة والنبراس

فقال الوزير للخليفة: أي شيء يطلبه أعطه فإنه لا يعيش أكثر من أربعين يوما ن لأنه قد ظهر في عينيه الدم من شدة التفكر. فقال له الخليفة: ما تشتهي؟ فقال أبو تمام:أريد الموصل، فاعطاه إياها، فتوجه إليها، وبقي هذه المدة ثم مات. وورويت هذه القصة قريبا من ذلك.

وقد شكك الذهبي في " السير " في القصة للختلاف فيمن قيلت فيه. وذكر ابن خلكان عن ابي بكر الصولي أن القصة غير صحيحة لأن أبا تمام إنما ولي بريد الموصل فقط ولاه إياه الحسن بن وهب ن وأقام بها سنتين، ثم مات بها، وأن هذه القصيدة ما هي في أحد من الخلفاء، وإنما هي في أحمد بن المعتصم، أو أحمد بن المأمون، ولم يل واحد منهما الخلافة.

4 – تنقل بعض كتب الأدب قصة للشاعر علي بن الجهم ملخصها أنه دخل على الخليفة العباسي المتوكل فمدحه بقصيدة منها:

أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب

أنت كالدلو لا عدمناك دلوا من كبار الدلا كثير الذنوب

فعرف المتوكل حسن قصده وخشونة لفظه، وأنه إنما مدح بما يراه في باديته لأنه لم ير الحضر، فأمر له بدار حسنة على شاطئ دجلة، فيها بستان حسن، يتخلله نسيم لطيف يغذي الارواح، ومكث في هذه الدار ستة أشهر، والشعراء يفدون عليه، ودخل بعد ذلك على المتوكل فأنشده قصيدته التي مطلعها:

عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

فقال المتوكل: لقد خشيت أن يذوب رقة ولطافة.

هكذا وردت القصة – بتصرف يسير – في محاضرات " الأبرار ومسامرات الأخيار " لابن عربي الصوفي وعنه نقل محمد أحمد جاد المولى وصاحباه في " قصص العرب " وخليل مردم في تحقيقه لديوان علي بن الجهم فالمصدر واحد لا ثاني له، والقصة فيما أعلم ليس لا أصل في كتب المتقدمين كالجاحظ وابن قتيبة والمبرد وابن عبد ربه وآخرين فلم أقع على شيء من ذلك، وهذا وحده كاف في توهينها.

فإذا عرفت أن ابن عربي أسند روايتها إلى مجهول فقال: (حكى لنا بعض الأدباء …) زاد وهنا عندك، علما أن بين ابن الجهم (ت 249هـ) وابن عربي (ت 638هـ) ما يقارب أربعة قرون، فأين انزوت هذه القصة الطريفة طوال أربعمائة سنة؟!

زد إلى ذلك أن ابن عربي نفسه متّهم في دينه، مطعون في إيمانه،بل متهم بالكفر، نقل ذلك فيمن نقل الذهبي في " السير " فقال: إن الشيخ العز بن عبد السلام يقول عن ابن عربي: (شيخ سوء كذاب)، وقال الذهبي نفسه: (ومن أردأ تواليفه كتاب الفصوص، فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر).

هذا من جهة سندها، وأما من جهة متنها فقد قال: (إن علي بن الجهم كان بدوياً جافياً)، والتاريخ يقول خلاف هذا، ففي معجم الشعراء للمرزباني أن أصله من خراسان، ولا يعني هذا أنه غير عربي، ونقل عمر فروخ " تاريخ الأدب العربي " أنه ولد ببغداد عام 188هـ، وفي " طبقات الشعراء " لابن المعتز ما يدل على أنه حضري لا صلة له بالبادية، فقد روي أنه حبس في المكتب، فكتب إلى أمه:

يا أمّنا أفديك من أمّ أشكو إليك فظاظة الجهم

قد سرّح الصبيان كلهم وبقيت محبوساً بلا جرم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير