تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إضطراب.

يقول صاحب الكتاب" هل كان للعرب نثر فنى؟ " ونحن نجيب عن هذا السؤال بما نضمنه ما نوافقه فيه وما نخالفه عليه. فقد كان العرب أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب إلا قليلا من أهل المدن كمكة والميدنة"يثرب قديما" وأطراف اليمن ومشارف الشام ونواحى الحيرة, وهؤلاء الكتاب لم يكن لهم تأثير بين فى الأمة العربية لأن جماعة العرب لم تكن لذلك العهد"قبل الاسلام" تعرف الكتابة والخط ولا كان من همهم ذلك, ولو افترضنا أن هذا العدد القليل الذى وصف بالكتابة كان يكتب وعنينا أنه كان يؤلف, بقى الأمر على ما هو عليه إذ كانوا- على ذلك- يؤلفون لمن لا يقرأ ولا يكتب. ومع هذا فقد كان العرب يتخذون الكتابة فى بعض الاغراض كالعهود والرسائل العيمة الخطر كالذى يوون مما كتبه لقيط بن يعمر الإيادى غلى قومه إياد بالحيرة يحذرهم كسرى"سابور ذا الأكتاف" وكان قد أجمع على غزو إياد فأرسل لهم لقيط- وكان كاتبا بديوان كسرى- قصيدته المشهورة التى يقول فيها:

يا قوم لا تأمنوا إن كنتم غيرا على نسائكم كسرى وما جمعا

قوموا قياما على أمشاط أرجلكم ثم افزعوا, قد ينال الأمن من فزعاويقول فى آخرها:

هذا كتابى إليكم والنذير لكم لمن رأى رأيه منكم ومن سمعاوقد فى ذكر العهود المكتوبة شعر جاهلى كثير منه قول الحارث بن حلزة اليشكرى فى الحرب التى كانت بين بكر وتغلب.

واذكروا حلف ذى المجاز وما قـ ـدم فيه العهود والكفلاء

حذر الجور والتعدى وهل ينقـ ـض ما فى المهرق الأهواءويعنى بالمهارق كتب العهود والمواثيق التى كانت بين بكر وتغلب أيام الهدنة والصلح.

فنحن لا نستطيع أن ننكر أن العرب كانوا يكتبون ويتراسلون فى بعض الأحايين, ولكننا نستطيع أن ننكر أنهم كانوا يصنفون الكتب ويؤلفون الرسائل فى الأغراض الكثيرة. ويجب على المفكر فى هذا الأمر أن يعلم أن كلام العرب فى محاوراتهم ومجالسهم وخطبهم كان هو الكلام المتخذ فى الرسائل والعهود وغير ذلك إذ أن هذه اللغة العربية التى بين أيدينا والتى نزل بها القرآن والتى كان يتكلم بها الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضى الله عنهم كانت الى القرن الثانى والثالث من الهجرة تؤخذ من أفواه العرب البداه. فلا يعقل بعد ذلك أن يكون فى الجزيرة العربية كتاب قد تفرغوا للكتابه حتى نسأل هل كان هناك نثر فنى أو لم يكن فإن هذا السؤال يقتضى أن يكون فى الجزيرة فئة قد تجردت للكتابة فعلت على غيرها من عامة الناس فى الأسلوب البيانى. هذا والرسول نفسه صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب وكان يعد أفصح العرب وكان من أصحابه من يجيد الكتابة كعمر وعثمان وعلى زيد زعثمان رضى الله عنهم ومن يتدبر هذا يجد أن النثر على المعنى المعروف عندنا لم يكن مما تتطلبه العرب وتتفرغ له وتتفوق فيه وإنما كان كلامهم كله مرسلا على سجية واحدة إلا الشعر فإن الذى ميزه هو الوزن والقافية.

أما قول صاحب الكتاب أن مؤرخى الاسلام اتفقوا على أن العرب لم يكن لهم وجود سياسى أو أدبى قبل النبوة فهذا قول مرسل لا حد له, وهو كلام لم يقل به أحد من العلماء وإنما كانوا يعنون بما يصفون به العرب من الجهل والضلال ما يتصل بأمر الدين والتوحيد إلا فإنهم قد استشهدوا فى تفسير القرآن نفسه بنوع من كلام العرب وهو الشعر. اما المسألة السياسية والكتلة الدولية فإنهم يعون بذلك أم لم تكن أمة متآزرة ذات حكم واحد وسيادة متصلة من أعلى الجزيرة الى أسفلها بل كانت قبائل متنازعة يأكل بعضها بعذا حتى جاء أمر الله ونزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم ليكون مبشرا ونذيرا وهدايا الى الله بأمره وسراجا منيرا فألف بين قلوبهم وأصبحوا بنعمته إخوانا وقاتلوا فى سبيل الله حتى فتحوا الأرض واستولوا على ملك كسرى وقيصر. وليس هذا موضع للجدال ... ولا اتفاق-كما يقول صاحب الكتاب- يرجع إلى أن مؤرخى الاسلام بقولون بذلك تأييدا لنزعة دينية يراد بها إثبات أن الاسلام هو الذى خلق العرب خلقا وأنشأهم إنشاء فأخرجهم من الظلمات الى النور ومن العدم الى الوجود ... هذا على ان القرآن قد أخرج العرب حقيقة من الظلمات الى النور.

ثم إن المؤلف أراد بعد ذلك أن يجعل القرآن أثرا جاهليا" فإنه-نسأل الله المغفرة- من صور العصر الجاهلى, إذ جاء بلغته وتصوراته وتقاليده وتعابيره"ص38 فلو كان ذلك كذلك فما فعل القرآن بالعرب حتى أخرجهم من الظلمات الى النور وكيف يجئ ما هو من عند الله مطابقا لتصورات العرب وتقاليدهم على ما فيها من الطبيعة البشرية الضعيفة الهالكة الجاهلة. وهذا القرآن الذى يعده صاحب الكتاب أثرا جاهليا هو الكتاب نفسه الذى أعجز عرب الجاهلية جميعا وتحداهم وطالبهم وسخر منهم ووضع من آلهتهم وجقرها وأثار أحقادهم وأضغانهم. ولو كان هذا القرآن قريبا من كلامهم أو شبيها به لما أعجز بعض بلغائهم عن الاتيان بمثل سورة من سوره كما طالبهم بذلك وتحداهم. ونحن لا ننكر أن كل ما فى القرآن من لفظ إنما هو من ألفظ العرب كما أن أكثر ألفاظ كتابنا الآن بل كتاب القرن الرابع الذى يتكلم عنه صاحبه إنما هى ألفظ عربية, ونحن ال نعد أسلوبنا أو أسلوب القرن الرابع فى النثر مقاربا أو شبيها بالنثر الجاهلى فكذلك القرآن من النثر الجاهلى بهذه المنزلة فألفظ الفرآن هى الألفظ العربية ولكن نظمه وسياقه وبلاغته ومواقع كلماته المعجزة لا صلة بينها وبين أى كلام من كلام البشر فى جاهلية أو إسلام.

ولماذا يعد صاحب الكتاب هذا القرآن من النثر الجاهلى, وتخذه دليلا على وجود النثر فى الجاهلية مع أن الحديث النبوى وكلام الصحابه المروى بالأسانيد الصحيحة الثابته هو أقرب فى الأدلة وفيه بغية صاحب الكتاب. فأنت إذا قرأت السيرة وجدت كثيرا من كتب الرسول الى القبائل والأمم وولاة جيوشه ووجدت أكثر من ذلك فى كلام أبى بكر وعمر وعلى وعثمان وغيرهم من أهل الجاهلية الذى أسلموا وتبعوا الرسول النبى الأمى صلى الله عليه وسلم.

القرآن كتاب الله فإذا أردنا أن نبحث عن الأدلة عن النثر الجاهلى فهو فى كلام الصحابة والرسول نفسه.

هذا ونحن نعتذر الى القراء عن تقصيرنا فى الكتابة عن كتاب النثر الفنى فإن لهذا موضعا آخر إن شاء الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير