[حروف من لغة الشمس]
ـ[سامح]ــــــــ[02 - 08 - 2005, 06:48 م]ـ
استراحة داخل صومعة الفكر
[حروف من لغة الشمس]
عبد الله بن سليم الرشيد
سعد البواردي
لغة الشمس كما ندريها ونلمسها بيضاء متوهجة يسكن النور إن لم أقل النار مقرها وقرارها .. فهي شحنة من الضياء ترسله أشعة مشعة تطوي بها أجنحة الظلام .. وتكشف بها مواطن العتمة والديجور.
تلك هي الشمس الذي تشرق من فضاءاتها البعيدة علينا ناشرة الدفء .. مذيبة ما علق بنا من رعشة خريفية تهتز منها أوصالنا .. شمس شاعرنا الرشيد قد تكون شمس وضوح في الرؤية تستمد طاقتها من كتلة شعورية مخترمة في ذهنه .. مختزنة في رأسه .. هل بهذا التصور أكون أصبت كبد الحقيقة؟!
(شظايا) أطلقها من فمه شعراً آملاً أن لا يكون لها وقع شظايا القنابل التي تملأ سمعنا دويا .. وحياتنا تمزيقاً:
شعر صهيل البقايا
من مهرة في الحنايا
أسررته فتمادى
يدق باب الخفايا ..
هل سيفتح أمام دقة بوابة المجهول كما ذكر؟ لا أظن. لقد تركنا معه في حيرة بلهاء ..
بدا لكم منه شيء
وفي الزوايا خبايا
ما كان محض حروف!
بل من فؤادي شظايا
لا شيء .. مجرد شظايا متناثرة وغامضة .. من أين .. ؟ ولماذا؟ .. الشظايا يا صديقي لا تحتمل الاحتفاظ بها .. حسنا تركتنا بعيداً بعيداً ... أما أنت فقد اختزلتها .. واختزنتها .. واحتفظت بها .. وعليك أن تتحمل وحدك وزر اختيارها ... ومن شظاياه إلى رجوعه إلى لغة القلب ..
أوصدت بابي .. واعتكفت مخضبا
لغة الحديث بلهجة التجاهلِ
وهجرت أزمنة القصائد راغبا
حتى إذا اشتعلت عيون فواصلي
لقد دعاه شوقه القديم لأوبة ثانية بعد أن تهيأ لشدوه مساحة من الانطلاق في ظل إغلاق بابه .. الانطلاق والإغلاق لا يتفقان .. ومع هذا يدفعنا الفضول لمعرفة الآتي:
وسمعت وقع خطو القوافي في دمي
قدحت على شفتي تأوه ثأكل
راجعتها .. وأنا عزيز قادر
تتكسر الأمواج دون سواحلي
لماذا السماع وحده يا شاعرنا .. الإيقاع خارج دائرة الصمت والعزلة أجدى وأجمل .. حيرتنا فيك أكبر لأنك القادر على تجاوز حدود صمتك كما تقول .. وبقيت مراجعتها مجرد خطو تقدم على الشفتين دون تبرمهما .. وتلك عقدة .. شاعرنا لديه وقت للسؤال: هذا مشجع؛ فهل لديه وقت لتلقي الجواب؟ هذا ما أطمع فيه ..
لماذا يجرون ناصية الشعر للنقطة المعتمة؟
لماذا يريدون للقول ألا يحن؟
صحيح (ألا) أن لا .. ثم يسترسل في أسئلة:
وللروح أن لا تئن .. ؟
وللرأس أن يقبل الصفعة المؤلمة؟
لماذا؟ ولماذا؟ ركام من الأسئلة ضاق بها فمه فأطلقها شظايا متناثرة وثائرة .. من حقها البوح بها دون مواربة لأنه يعاني كشاعر:
لماذا غدا الشعر ولولة النائحات؟
وفأفأة الطفل .. والتمتمة؟
وحتام نهتك عرض الكلام
لتنهشه شفة مجرمة؟
أقف للحظة حتى مفردة الاستفهام (حتام) .. وأخالها كالتالي: (حتى م) هكذا أتصور ..
سؤال وألف سؤال
وما تم أجوبة مفحمة
بهذه القفلة أنهى أسئلته في تلميح دون تصريح .. إنه لا يعني إنساناً بعينه ولا مجتمعاً بذاته .. أنه يحاكم بلغة المحتج نمطاً بشرياً استعلائياً .. استغلالياً .. مفترساً (لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب) .. الجواب نعم عالمنا الواسع مسكون بوحشته وساديته .. يستغرق منك هذه التساؤلات وأكثر ... شاعرنا الرشيد يصبّ جامّ غضبه على أدعياء الشعر العالقين بأهدابه لا بأهدافه ..
ما الذي أعطاكم الشعر فجئتم تطلبونه؟
أي شيء يعرف الشاعر .. لستم تعرفونه ..
إنه يهوى وكل منكم يهوى وإن أخفى شجونه
ويعرفهم بالشعر الذي لا يعرفونه قائلاً:
إنما الشعر الحقيقي الذي قد تدركونه
هو شعر في حناياكم .. ألستم تسمعونه؟
يجيب عن تساؤله شاعر قديم قدير الدلالة:
الشعر صعب وطويل سلمه
إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زالت به إلى الحضيض قدمه
ناهيك إذا ما كانت الإشكالية ادعاءً، وليس ضعفاً. يعرفنا بنفسه .. هذا أنا:
مسافر في ضمير الكون ما تعبت
رجلاي، أرتحل الأمجاد والظفرا
حرّ على منكب الجوزاء متكئي
أكاد أقبض أحداق الدجى زمراً
لماذا القبض وحده.؟ القبض لا يكفي .. حسناً لو أستبدل مفردة (أُطبق) بمفردة (أقبض) وكلتاهما جائزة .. ويمضي في اعتزازه وفي تعريفنا بذاته:
هذا أنا في يدي شمس وفوق فمي
مجرة .. وفؤادي ينضح الدررا
كثيرة عليك يا صديقي هذه الأعباء التي لا تقوى عليها يدك .. ولا فمك .. ولا فؤادك .. من تواضع لله رفعه ...
¥