وقد تتكونُ القصيدةُ من معنىً، أو عدةُ معانٍ لا يستطيعُ الناقدًُ الربط بينها وبينَ المعاني الأخرى، هنا يجعلُ الفكرةَ التي غلبتْ على النصِّ هي الفكرةُ الرئيسيةُ، فكثيرٌ من القصائدِ – خصوصا القديم منها – تحملُ في طيَّاتِها العديدَ من الأغراضِ والمواضيعِ، هنا تكمنُ فائدةُ التعرُّفِ على مناسبةِ القصيدةِ؛ للاستدلالِ والإمساكِ برأسِ الموضوعِ، وقد تكونُ المناسبةُ مجهولةً، عندها نبحثُ عن غالبيةِ ما تحدَّثَ عنهُ الشاعرُ، لنجعل الفكرةَ الرئيسيةَ ما طغى على معاني القصيدةِ فمثلا:
معلَّقةُ زهيرُ بنَ أبي سُلمى، حوَتِ العديدِ من الأغراضِ، الوقوفُ على الأطلالِ، وصفُ الرحلةِ، ذكرُ الممدوحين، والحكمُ والأمثالُ .... وغيرها، قد يتوهُ الشخصُ في البحثِ عنِ الغرضِ الأساسي، أو الفكرةِ الرئيسيةِ، ولكن ربما الناقدُ الخبيرُ يستنتجُ ذلكَ بسرعةٍ، إلا أنَّ من كان إطلاعهُ على الشعر ضعيفا، ربما لن يتمكن من معرفةِ ذلك، ولكن لو رجعَ إلى كتبِ الأدبِ وقرأَ مناسبتها من إطفاءٍ لنارِ الحربِ، والتحذيرِ منها، ومدحِ من تحمَّل دياتَ القتلى، لوجدَ أنهُ قد أمسكَ بزمامِ الفكرةِ، ولكن ربما يوجدُ بعض القصائدِ التي تُنسى مناسبتها، أو لا يعرفُ لها مناسبةٌ، هنا يأتي دورُ التحليلِ للقصيدةِ، والربطِ بين الأبياتِ، واستنتاجِ العلاقاتِ، واستنباطِ الإشاراتِ الخفيَّةِ، التي تساعدنا على بلوغِ المرامِ، وخذ على ذلك مثالا: قصيدةُ مالكٍ بن الريبِ، وهي معروفةُ السببِ، ودعنا من سببها قليلا، لنلجَ في محاورها، تحدثَ مالكٌ في هذه القصيدةِ عن: وصف حالهِ وما أل إليهِ أمرُهُ وقد أوشكَ على الهلاكِ، وخاطبَ رفيقي رحلتهِ وكيف أنهُ قدَّم وصيتهُ إليهما وبيَّنَ كيفيةَ دفنهِ، ثم صوَّر حالَ أهلهِ وكيف يكونُ بعد موتِهِ،هذا أهم ما جاء فيها من أفكار، وهذه الأفكارُ استخرجناها من خلالِ شرحِ القصيدةِ وما وردَ فيها من معاني، والمطلوبُ الآن أن نستنتجَ:
1 - مناسبةَ القصيدةِ.
2 - الفكرةَ الرئيسيةَ.
فكيف نفعل ذلك؟
إذا أردنا استخراجَ المناسبةِ من الأفكارِ والمحاورِ لا بد من دراستها والوقفِ عليها، وعملِ هذه المقارنةِ التاليةِ، على هيئةِ أسئلةٍ:
هل تستقيمُ القصيدةُ لو حذفنا إحدى الأفكارِ التي وردت بها؟
بمعنى هل يضرُّ لو استبعدنا مثلا فكرةَ تصويرهِ لحالة أهلهِ بعد مماتهِ؟ بالطبع لا.
هل يضرُّ لو استبعدنا فكرةَ وصيَّتهِ لرفيقيهِ؟ بالطبع لا.
ولكن هل يضرُ لو استبعدنا فكرةَ أنّهُ أوشكَ على الهلاكِ؟ بالطبعِ نعم.
لأنّه لولا اقترابُ موتهِ لما وصَّى رفيقيهِ، ولما صوَّر حالةَ أهلهِ بعدَ موتهِ، وليس بالضرورةِ أن يوصّيَ رفيقيهِ، أو أن يصفَ حالةَ أهلهِ، وهو لم يقترب موتُهُ، ولكن من الضرورةِ أن يقترب موتُهُ لكي يصفَ حالةَ أهلهِ وأن يوصي رفيقيه.
إذن فإنَّ المناسبةَ التي دعت مالكا إلى قولِ هذه القصيدةِ هي " اقترابُ موتهِ ".
الآن سوف نستخرجُ الفكرةً الرئيسيةَ من خلالِ المناسبةِ، وإليكم هذا المثالَ:
إذا توفي شخصٌ عزيزٌ لشخصٍ ما تجدهُ يتوجَّدُ عليهِ، ويتحسَّرُ على فراقهِ، وربما يرثيهِ بالقصائدِ الطوالِ، ولا ينفكُّ عن ذكرهِ، وعن التفكير بهِ، فيا ترى ما هو حالُ نفسُ الشخصِ هذا إذا أحسَّ بقربِ منيَّتهِ ووفاتهِ ألا ترى أنَّ حزنَهُ على نفسهِ يفوقُ حزنَهُ على عزيزهِ؟، إذن ستجدهُ بالطبعِ يتوجَّدُ على نفسهِ، ويتحسَّرُ عليها، هذا هو مالكٌ يتحسَّرُ على نفسهِ، ويتوجَّدُ عليها، بالتالي هذه هي الفكرةُ الرئيسيةُ (التحسُّر على النفس)
للاستزادة (دراسة الأعمال الأدبية) ( http://www.alfaseeh.net/diffuser/user.php?dept=29)
وحي
ـ[الأحمدي]ــــــــ[26 - 07 - 2005, 11:16 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
جزى الله الأخ وحي اليراع عنا خير الجزاء
و عذرا للأخ ابن الأبار عن صمتنا و لم يكن ذلك إلا لقلة حيلتنا، و إن كان في يدنا شيء من ذاك العلم ما بخلنا به، بإذن الله.
ـ[ابن الأبار]ــــــــ[27 - 07 - 2005, 08:08 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا لك اخي (وحي اليراع) وجزاك الله الف خير ,فوالله لقد سررت بذلك فمن الفرحة نسيت ان اشكرك في حينها فارجو منك المعذرة.
وشكرا لك اخي (الأحمدي) على ردك وتجملك معي , وشكرا لابي سارة ,ولا انسى ان اشكر شبكة الفصيح التى استقطبت اولئك الاعضاء المثابرين.
ودمتم جميعا بحفظ الرحمن