تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو العباس المبرد: كان رجلٌ بالكوفة يدعى ليث بن زياد، قد ربى جاريةً وأدبها فخرجت بارعةً في كل فنٍ مع جمالٍ وافرٍ، فلم يزل معها مدةً حتى تبينتْ منه الحاجة، فقالت: يامولاي لو بعتني كان أصلح لك فيما أراك به، وإن كنت لأظن أني لا أصبر عنك، فقصد رجلاً من الأغنياء يعرفها ويعرف فضلها، فباعها بمائةِ ألف درهم، فلما قبض المال وجَه بها إلى مولاها وجزع عليها جزعاً شديداً، فلما صارت الجارية إلى سيدها نزل بها من الوحشة للأول مالم تستطع دفْعَه ولا كتمه، فباحت به وقالت:

أتاني البلا فما أنا صانع ... أمصطبرٌ للبين أم أنا جازعُ

كفى حزناً أني على مثل جمرةٍ ... أقاسي نجوم الليل والقلب نازعُ

فإن يمنعوني أن أبوح بحبه ... فإني قتيل والعيون دوامعُ

فبلغ سيدها شعرها فدعا بها وأرادها فامتنعت عليه وقالت له: ياسيدي إنك لا تنتفع بي، قال: ولمَ ذاك؟ قالت: إني لما بي، قال: وما بك؟ صفيه لي .. قالت: أجد في أحشائي نيراناً تتوقد، لا يقدر على إطفائها أحد، ولا تسأل عما وراء ذلك، فرحمها ورقَ لها وبعث إلى مولاها فسأل عن خبره، فوجد عنده مثل الذي عندها، فأحضره فردَ الجارية عليه، ووهب له من ثمنها خمسين ألفاً، فلم تزل عنده مدةً طويلةً. وبلغ عبد الله بن طاهر خبرهما وهو بخراسان، فكتب إلى خليفته بالكوفة يأمره أن ينظر فإن كان هذا الشِعر الذي ذُكر له من قِبل الجارية أن يشتريها له بما ملكتْ يمينه، فركب إلى مولى الجارية فأخبره بما كتب إليه عبد الله بن طاهر، فلم يجد سيدها بُدَاً من عرضها عليه وهو كارهٌ.

فأراد الأمير ان يعلم ماعند الجارية فأنشأ يقول:

بديعُ حُسنٍ رشيقُ قدٍ ... جعلتُ منِي له ملاذاً

فأجابته الجارية:

فعاتبوه فزاد عشقاً ... فمات شوقاً فكان ماذا

فعلم أنها تصلح له، فاشتراها بمائتي ألف درهم، فجهزها وحملها إلى عبد الله بن طاهر والي خراسان، فلما صارت إليه اختبرها فوجدها على ما أراد، فغلبته على عقله، ويقال: إنها أم محمد بن عبد الله بن طاهر، ولم تزل ألطافها وجوائزها تأتي مولاها الأول حتى ماتت.


ومضة "هل نقول أن الوفاء اسم آخر للنساء:) "

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير