[في ظلال الأدب المهجري من وجهة نظر إسلامية!]
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[23 - 08 - 2007, 08:09 م]ـ
في ظلال الأدب المهجري من وجهة نظر إسلامية
أدباء المهجر اختلفوا عن أولئك الذين يتصورون التجديد خروجاً عن كل مألوف من الوزن والشكل!
د. حيدر مصطفى البشعان
? الأدب المهجري أدب أصيل، وشعراؤه وكتابه يصح وصفهم أنهم تعبير عن أمة في عصر، فقد يعبر الواحد منهم عن بيئته أو حالة أو موقف أو قضية تظل محدودة مهما رسخت جذورها في تربة الواقع، ولكنه لايمثل أمةً بمجموعها في كل ما يتصل بحياتها وينسحب على تاريخها، ولا يرقى إلى تصوير عصر بأكمله. ولقد غادر أدباء المهجر وطنهم الجميل وخلفوا وراءهم أهلاً وذكريات عزيزة صفاها البعد من الشوائب إلى أرض جديدة ومناخ كئيب، وطبيعة مختلفة صامتة صمت الجبال، فأحسوا بالشقاء، وأخذت القيم الاجتماعية الغربية التي يولدها السعي المحموم وراء لقمة العيش والكسب المادي تحز في نفوسهم.
وهؤلاء الأدباء، إنما تكون سيرتهم ذاتها بكل ما تنطوي عليه في مجراها من طمأنينة واضطراب وهناءة وبلاء وتقلقل وسكينة تعبيراً عن أوضاع وبياناً لتاريخ وصورة شاملة لحياة طويلة.
وقد عكس نتاجهم الأدبي الأحوال النفسية التي كانوا عليها حتى غدت تجربة المهاجرة منبعاً عميقاً من منابع هذا النتاج، فما يكاد القارىء يطلع على شعرهم ونثرهم حتى يحس مرارة تلك التجربة مترسبة في أعماق الكلمات ويتسرب إلى نفسه شعور موحش بالوحدة والضياع.
غربة الأدب المهجري:
كان المهاجرون العرب يعيشون في بيئة غير بيئتهم فشعروا بالغربة التي شعر بها غيرهم من قبل شعراء العرب كالمتنبي الذي قال عندما زار بلاد فارس:
مغاني الشعب طيباً في المغاني ... بمنزلة الربيع من الزمان
ولكن الفتى العربيَّ .. فيها ... غريب الوجه واليد واللسان
ملاعب جنةٍ لو سار فيها ... سليمان لسار بترجمان
ولكنهم أيضاً عاشوا في ألفةٍ فكرية مع بيئتهم الجديدة، ولم يظلوا قيد تلك الغربة الروحية. وإن شعروا بغربة حسية ذكرتهم دائماً بأوطانهم (1). على أن بعض الأدباء كان يشعر بالغربة الفكرية في وطنه للبعد بين أفكاره وأفكار مجتمعه وبيئته في البلاد العربية فهاجر ليجد الحرية الفكرية والوئام العقلي في مجتمع جديد. يقول الدكتور أحمد زكي أبو شادي الشاعر المصري الذي هاجر إلى نيويورك في ابريل 1946م:
وغربة الفكر في دار يمجدها ... أقسى على الحرِّ من فقدان ناظره
أبواب الأدب المهجري:
لقد فتح المهجريون أبواب أدب جديد لم يتعرض له العرب من قبل إلا نادراً، ولم يقف الأدب عند التجديد في الأسلوب فحسب بل تناولوا طريقة، وألوان الحسن ودرجات الشعور ووسائل التأثير، وقد فتح باب الحنين والغربة على مصراعيه في هذا الأدب وما أقسى واقع ذلك النازح المغترب الذي اشتعلت في صدره نار الحنين الدائم إلى الوطن ومرابع الطفولة، لننظر إلى الشاعر القروي وهو يفخر بنسبه على الدنيا ويتحدى أولئك الذين يحاولون النيل من كرامة العربي، كما يتحدى أولئك الذين يخجلون من الانتماء إلى أطهر أرومة وأقدس منبت (2):
نسب على نسب أتيه به ... عجباً على عجب على عجب
أو يستحي بأبيه من دمه ... دم شاعر وخليفة ونبي؟
ويأسى «إلياس عبدالله طعمة» على ولدٍ مغترب يقضي حياته بدون أمه وعلى أم تقضي حياتها بدون ولدها:
لهفي على ولد يقضي الحياة بلا ... أمٍ، ولهفي على أم بلا ولد
والفخر والاعتزاز بالأمة العربية باب واسع فتحه المهجريون إلى أن عرفوا الإسلام في غربتهم فمجدوه ومجدوا نبيه يقول إلياس حبيب فرحات (3):
سلام على الإسلام أيام مجده ... طويل عريض يملأ الأرض والسما
نما فنمت في ظله خير أمةٍ ... أعدت لنصر الحق سيفاً ومرقما
فكانت لها الدنيا وكانت لها العلى ... وكانوا بنوها في الدياجير أنجما
وأما ما قاله في النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فهو يدل على عمق حبه له:
غمر الكون بأنوار النبوة ... كوكب لم تدرك الشمس علّوه
من رأى الأعراب في وثبتهم ... عرف البحر ولم يجهل طموه
يارسول الله إنا أمة ... زجَّها التضليل في أعمق هوّه
قل لاتباعك صلوا وادرسوا ... إنما الدين هدى والعلم قوة
¥