تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[ظاهرة الشيب في الشعر العربي]

ـ[مثنى كاظم صادق]ــــــــ[16 - 08 - 2007, 07:11 م]ـ

[ظاهرة الشيب في الشعر العربي]

مثنى كاظم صادق

حظي الشيب بأفق مهم عند الناس ولاسيما الشعراء ومن الضروري ان نشير بشيء من التفصي عن تاريخ الشيب وعند من ظهر من الثابت في الروايات ان النبي ابراهيم (ع) اول من ظهر الشيب فيه فقال ما هذا يارب فقال له انه وقار فقال اللهم زدني وقارا وتسمي العرب كل كل رجل دب الشيب بلجيته بالشيخ ويقال هذا رجل كهل اذا وخط الشيب رأسه وهو في الثلاثين ويقولون هذا رجل مخلد اذا تاخر شيبه في الظهور وحث الرسول (ص) المسلمين على خضاب شيبهم في المعارك كي يراهم الأعداء شبابا اقوياء وقد قيل للرسول (ص) يوما قد اسرع الشيب اليك فقال (شيبتني هود واخواتها الحاقة والواقعة) وورد عن المسيح (ع) انه قال (فخر الشبان قوتهم وبهاء الشيوخ شيبهم) وعلى الأنسان الذي يحمل هذا الوقار والهيبة ان يتصرف بما يقتضيه حاله وان يحاسب حركاته وسكناته وفي ذلك صرح الشافعي بقوله (احفظ لشيبك من عيب يدنسه / ان البياض كثير الحمل للبقع) ويعيب الناس الرجل الأشيب المتصابي وقد عانى من ذلك الشاعر عرقلة الكلبي عندما صد عن فتاة جميلة بقوله (مارمت ذاك الظبي الا صدني / عن ساحتيه الشيب والأسلام / في وجنتيه جنة وجهنم / وبمقلتيه صحة وسقام) وكتب غير واحد من الأدباء في الشيب فقد الف الشريف المرتضى كتابا اسماه (الشهاب في الشيب والشباب) وحذا حذوه في ذلك احمد بن علوية في رسالة اسماها (الشيب والخضاب) وكان الخليفة المأمون ينهى المغنين عن ذكر الشيب لتوجعه منه وقد يظهر الشيب عند الفتيان مبكرا ممن لايتناسب وظهور الشيب فيهم وهم في تلك الاعمار الصغيرة مما عدوه من الأمور القبيحة واشار بن خفاجة في ذلك بقوله (فقلت الشيب في الفتيان عيب / كفى الأحداث عيبا ان تشيبا) لاشك ان الحزن والقهر والحروب والهموم النفسية والأزمات من العوامل التي تساعد على ظهور الشيب وفي ذلك علل الشعراء وحتى الناس شيبهم الذي عسكر في رؤوسهم وورد عن عنترة قوله (وقد لاقيت في عمري هموما / تشيب من له في المهد عام) اما عروة بن الورد امير الشعراء الصعاليك وهو من شذاذ العرب فيعلل ظهور الشيب في رأسه من كثرة الوقائع (الحروب) (فما شاب رأسي من سنين تتابعت / طوالا ولكن شيبته الوقائع) ثمة شعراء قد لاقوا الشيب بالترحيب والتحايات والأستئناس ولم يأبهو البتة ببقية الناس الذين يسبب لهم الشيب ازعاجا واضحا ونجد هذه الظاهرة عند الشعراء الذين عرفوا بتمسكهم الأخلاقي والتزامهم ومنهم الشريف الرضي الذي يقول (قل لزور الشيب اهلا انه / اخذ الغي واعطاني الرشد) اما البهاء زهير فقد حيا وسلم على الشباب الذاهب الى غير رجعة وعلى المشيب الآتي من غير ارتحال فهو ــ أي الشيب ــ هو الوارث الطبيعي للشباب فيقول (سلام على عهد الشبيبة والصبا / واهلا وسهلا بالمشيب ومرحبا) ولقد كره الشيب وبغضه الشعراء الذين اشتهروا بمعاقرتهم للخمرة والنساء وقد انكروه ولم يرحبوا به لأن الشيب وراؤه الموت فضلا عن كره النساء له في الرجال واعراضهن عنهم لأنهم قد اصبحوا شيوخا وفي ذلك يشير عمر بن ابي ربيعة بقوله (ذهب الشباب وامسى الموت يخلفه / لامرحبا بمحل الشيب إذ نزلا) اما عن اعراض النساء عنه فقد اعترف هو بذلك وقليلا مايعترف فقال معترفا (رأين الغواني الشيب لاح بعارضي / فأعرضن عني بالخدود النواضر) ومن الطريف ان يصرح الأعشى بأن حبيبته بأن حبيبته قد انكرته ولم تعد تعرفه فصدت عنه لشيب وصلع الما براسه فقال (وانكرتني وماكان الذي نكرت / من الحوادث الا الشيب والصلعا) ومن الشعراء من بادر الى ترك النساء والخمر وتاب بعد ان شاب رأسه فلم يجد من المناسب وهو في هذه الحالة ان يسلك سلوك الصبيان ومنهم عرقلة الكلبي الذي يقول (وقد انساني الشيب الغواني فلا / سعدى اريد ولاسعادا) وفطن ابو نواس لذلك ونصح الشبان بأن يستغلوا ايامهم ويعيشوا وقتهم باللعب واللهو قبل ان يداهمهم المشيب فقال (بادر شبابك قبل الشيب والعار / وهزهز الكأس من بكر لأبكار/ يقولون في الشيب الوقار لأهله / وشيبي بحمد الله غير وقار) ومن الناس من يعمد الى اخفاء شيبه كي يبدو اصغر من عمره فقد عاب الشعراء ذلك فهذا المعري الذي جهر بجهالة من يصبغ شيبه لأن الله هو الذي اعطاه هذه فيشير الى ذلك بقوله (اذا قلت ان الشيب لله صبغة / فقد ضل بادي الغي للشيب صانع) بل عد المعري الرجل الذي يصبغ شيبه اشبه بالمزوركما في بيته (اذا طلع الشيب الملم فحيه / ولاترض للعين الشباب المزورا) ولأبي العتاهية رأي آخر فهو ينصح الذي يستر شيبه بالحناء خوفا من ظهور الشيخوخة وتجليها فيه عليه بالمقابل ان يعمل لستر رأسه من نار جهنم بالاعمال الصالحة والدعاء الى الله وفي هذا المعنى اشار (ياخاضب الشيب بالحناء تستره / سل المليك له سترا من النار) وتروي كتب الأدب ان جماعة من اصحاب الشاعر صفي الدين الحلي نصحوه بصيغ شيبه فاجابهم (قالوا اخضب الشيب فقلت اسكتوا / فان قصد الصديق من شيمي) وخلاصة القول وصفوته هو ماذهب اليه ماليء الدنيا وشاغر الناي ابو الطيب المتنبي فقد اشار بأن الشباب شباب الروح كما في البيت الذي يقول فيه (وشيخ في الشباب وليس شيخا / يسمى كل من بلغ المشيبا) ويقول في موضع اخر (وفي الجسم نفس لاتشيب بشيبه / ولو ان مافي الوجه منه حراب) وبعد فأن موضوع الشيب قد يعد ظاهرة تستحق الدرس والتمحيص والتحليل لاسيما اذا درست وقورنت مع الآداب الأخرى لبقية الشعوب ورؤيتهم للشيب فقد اوردنا الأبيات على سبيل المثال لاالحصر على سبيل سوق الامثلة فقط اذ لايوجد شاعر تقريبا لم يذكر الشيب ولم يتغنى به.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير