تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[لماذا قال المتنبي: ابن جني أعلم بشعري مني؟]

ـ[سيبويه الأخفش الفراهيدي]ــــــــ[09 - 09 - 2007, 03:43 م]ـ

:::

[لماذا قال المتنبي: ابن جني أعلم بشعري مني؟]

سؤال يتضمن عبارة شائعة بين قراء أبي الطيب وهم كثر في كل زمان ومكان. وترجع صلتي بها الى أواخر الخمسينات من القرن الماضي - زمن بدء صلتي بديوانه شرح عبدالرحمن البرقوقي - بيد أنني منذ ذلك الحين لم أعثر على دليل واحد يؤكد هذه العبارة المتوارثة والمكررة التي تؤكد عمق علاقة المتنبي بالشارح اللغوي أبي الفتح عثمان بن جني، وكيف كان الأخير يعلم من شعر الشاعر ما لا يعلمه الشاعر نفسه حتى لو تأولنا الأخبار التي نقلت عن ابن جني في تفسير بعض مرامي المتنبي الشعرية كهجائه المبطن بالمدح لكافور. وللحقيقة لم يكن المتنبي في بداية صلتي به يثير اهتمامي كما لم يكن لقائي الأول به ايجابياً، ربما لأنه كان حديث الأدباء التقليديين وشغلهم الشاغل، وربما كان لطه حسين في كتابه «مع المتنبي» دور في ابتعادي المبكر من هذا الشاعر الأشهر الذي استأثر بالجزء الأكبر من حياتنا الأدبية ولا يزال. فقد ظل المرجع الأول وأحياناً الأخير لعشاق الشعر وشداته ليس في الأقطار التي تسمى بالأطراف من الوطن العربي فحسب، وانما في أقطار القلب أيضاً. وأكرر الاعتراف بأنني كنت في بداية عهدي بالأدب عموماً وبالشعر خصوصاً أبحث عن شعراء التجربة الوجدانية من الرومانسيين الحالمين بعالم جديد ورؤى تختلف في لغتها وأسلوبها عن كل ما يمت الى الماضي القريب أو البعيد بصلة. كما كنت لا أهتم بأشعار المناسبات - ولا أزال - وأرى في شعر المتنبي المثل البارز لها، لكنني غيرت كثيراً من موقفي بعد أن تعرفت إلى المتنبي في الجامعة، وهناك زادت صلتي بشعره وأدركت الأهمية التي مثلها هذا الشعر في رصد بداية الإحباط في حياة الأمة العربية والانكسار التدريجي للحضارة العربية وميلها نحو الغروب، نتيجة مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية واتساع نفوذ الأجناس غير العربية في ادارة شؤون الدولة، وهو ما أفصح عنه المتنبي صراحة خلافاً لشعراء عصره بقوله: «لا تصلح عرب ملوكها عجمُ.»

أتذكر أنني في السنوات الأولى من دراستي الجامعية أنجزت دراسة مطولة عن «الاتجاه الملحمي في سيفيات المتنبي»، وفي الجامعة أيضاً تعمقت في دراسته وتساءلت عن سر عظمته الشعرية وهل تمثل - كما ذهب الى ذلك عدد من النقاد الأكاديميين - الكمال المتفوق الذي وصلت اليه القصيدة العربية في شكلها الكلاسيكي؟ وأدركت أنه لم يكن شاعر مناسبات بالمفهوم السلبي بقدر ما كان شاعر التمرد والغضب والتعبير الطاغي عن الذات، وبكونه شاعر تعابير مباشرة لا ايمائية عن الواقع العربي المهان، وبدت لي حياته المأساوية بتراجيديتها الصارخة ملمحاً لا يقل أهمية عن شعره، وسبباً آخر للتعاطف معه ومع انكسار أحلامه التي هي في حقيقة الأمر جزء لا يتجزأ من أحلام أمته.

لا أريد أن استرسل أكثر من ذلك في الحديث عن المتنبي حتى لا أنسى ابن جني وشرحه المستفيض، وهو موضوع هذه الإطلالة والهدف الذي ظللت أبحث عنه منذ أواخر الخمسينات لكي أعرف من خلاله كيف كان هذا الشارح أعلم من الشاعر نفسه بشعره. لقد سبق لي في الجامعة وخارج الجامعة ان قرأت كل ما وقع بين يدي من كتب ابن جني ورسائله اللغوية، وتوقفت طويلاً عند كتابه الأهم «الخصائص» وأدركت انه كان في طليعة العلماء الذين درسوا اللغة العربية من منظور علمي متطور يقترب في بعض المناحي التحليلية والتأويلية - كما يقول بعض أساتذة النقد المعاصر - من العلوم اللسانية الحديثة. لكنني لم أعثر في هذه الدراسات على ما يفسر المعنى الايجابي الذي طرحته عبارة المتنبي: «ابن جني أعلم بشعري مني» فقد ظلت العبارة تلاحقني الى ان عثرت أخيراً، وأخيراً جداً على شرح ديوان المتنبي لعالم اللسانيات في عصره أبي الفتح ابن جني وذلك في أدق تحقيق وأشمله وأكمله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير