[الوصف في الشعر الجاهلي]
ـ[د. منذر عمران الزاوي]ــــــــ[19 - 09 - 2007, 12:00 ص]ـ
[الوصف في الشعر الجاهلي]
************
ان الشعر هو فن من الفنون الجميلة أداتها الالفاظ والموسيقى وهو تعبير عن التجارب الانسانية أي تعبير عمايحسه الشاعر من انفعالات ومشاعر ازاء مشاهد الكون المحيطة به وعرفه "بعض الجاهليين " بقوله: "الشعر شئ تجيش به نفوسنا فتقذفه على السنتنا " , ولايخفى ارتباط الفن عامة والشعر خاصة بالبيئة المحيطة التي تشكل مصدرا ومنبعاً للصور الفنية والخيال الجامح فيأتي الشعر ابن تلك البيئة فالشعر الصحراوي الجاهلي هو غير الشعر الحضري المترف , والبدوي الذي يعيش في خيمة من شعر يأتي شعره مختلفا عن ربيب المدن الذي صقلت الحضارة جزءا من شخصيته وخياله وقد تكون أغراض الشعر واحدة وان اختلفت ادواتها التعبيرية والبيئة التي تخلقها.
والوصف نوعان خيالي وحسي وقد كان الوصف الجاهلي حسياً اكثر منه خيالياً لانه كان تصويرا لتلك البيئة الصحراوية المحيطة الخالية من التعقيد ولكنهم لم يقدموا لنا وصفا حسيا جامدا بل نفخوا فيه الكثير من الحركة والحيوية.
لم يكن الوصف غرضاً مستقلاً من أغراض الشعر الجاهلي بل كانوا يوردونه عرضاً في قصائدهم , وكانت الطبيعة الصحراوية المحيطة من سماء وسحاب وشمس محرقة وامطار نادرة وليل طويل بارد تشكل الكنز التعبيري الذي اغترف منه الشعراء الجاهليون , وعلى الرغم من محدودية تنوعها فقد انتزعوا منها صورا تشبيهية فريدة دقيقة ونحن اذا كنا لانستسيغ بعض تلك التشبيهات فلان طبيعتنا الفسيحة الخصبة اكثر غنى من الصحراء بالصور الفنية ولكننا لانستطيع اخفاء اعجابنا بالشاعر الجاهلي وهو يصف اختراقه للصحراء المحرقة مسافراً على ظهر ناقته:
وبيداء مرت ليس لسالك يمر بها الا ضباب وعنظب
تعسفتها والليل قد صبغ الربى بوجناء تطفو في الظلام وترسب
فهل ثمة ادق من هذا المعنى مع محدودية الموارد , وليس اقل منه "النابغة الذبياني"وهو يصف ليله الطويل:
كليني لهم يااميمة ناصب وليل اقاسيه بطئ الكواكب
تطاول حتى قلت ليس بمنقض وليس الذي يرعى النجوم بآيبلم يكن الوصف في الشعر الجاهلي مقتصرا على الطبيعة فقط فقد وصف اجدادنا الجاهليون اطلال الحبيب وذرفوا دموعهم عندها , وتفننوا في وصف آثار القوم الذين ارتحلوا بل وخاطبواالأثافي واوتاد المضارب المهدمة وبعر الجمال دون ان ينتظروا جواباً:
يادار مية بالعلياء فالسند اقوت وطال عليها سالف الابد
وقفت فيها اصيلا كي اسائلها عيت جوابا وما بالربع من احد
وجعلوا مخاطبة الاطلال مقدمة لقصائدهم العصماء يتدرجون منها وينتقلون الى الموضوع الاصلي.
نالت الحيوانات النصيب الاوفي من شعر الجاهليين وعلى الاخص الجمل سفينة الصحراء وابو البداوة , فلم يتركوا كبيرة ولاصغيرة تتعلق بالابل الا وصفوها ووضعوا لها الالفاظ المناسبة والنعوت الموافقة , ووقفوا امام الناقة واصفين جسمها القوي وسيرها وصبرها ومبركها وبلغ من اعزاز العربي لناقته انه كان يخاطبها كما يخاطب صاحبه ولانستغرب بعد ذلك ان تملأ الناقة شعر العربي ولغته , والجمل ليس وسيلة نقل فقط بل مصدر غذاء وعيش لهم يمدهم باللحم واللبن والجلد والوبر بل هو ثروة البدوي وعزوته وكرامته وهيبتة واحترامه مرتبطان بمقدار ما يملك من الابل , ولنستمع الى "طرفة بن العبد" وهو يصف الناقة:
واني لامضي الهم عند احتضاره بعوجاء مرقال تروح وتهتدي
امون كالواح الاران نسأتها على لاحب كأنه ظهر برجد
فهل ثمة احلى واروع من هذا الوصف؟.
أما الحصان فهو فارس المعارك وبطل الكر والفر وعنوان البطولة واستخدمت لدى العرب ايضا في التسلية واللهو فالفرسان يقومون بالسباقات والعاب الفروسية على ظهور الخيل وهي مصدر من مصادر الثروة واعتبرها القرآن الكريم مصدرا من مصادر القوة حيث قال تعالى: "واعدوا لهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوكم" , واذا قرأنا شعر القدماء الجاهليين نجدهم اهتموا بالفرس بالغ الاهتمام كقول امرئ القيس:
وقد اغتدي والطير في وكناتها بمنجرد قيد الاوابد هيكل
مكر مفر مقبل مدبر معاً كجلمود صخر حطه السيل من عل
اما عنترة العبسي فقد استمع الى شكوى وتحمحم حصانه اثناء المعركة:
فازور من وقع القنا بلبانه ورنا الي بعبرة وتحمحم
¥