تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[قصة أهل البصرة من المسجديين البخلاء]

ـ[الأحيمر السعدي]ــــــــ[23 - 09 - 2007, 05:39 م]ـ

قال أصحابنا منة المسجديين: اجتمع ناس في المسجد ممن ينتحل الاقتصاد في النفقة والتنمية للمال من أصحاب الجمع والمنع.

وقد كان هذا المذهب صار عندهم كالنسب الذي يجمع على التحاب وكان الذي يجمع على التناصر.

وكانوا إذا التقوا في حلقهم تذاكروا هذا الباب وتطارحوة وتدارسوه.

فقال شيخ منهم: ماء بئرنا - كما قد علمتم - ملح أجاج لا يقربه الحمار ولا تسيغه الإبل وتموت عليه النخل.

والنهر منا بعيد.

وفي تكلف العذب علينا مؤنة.

فكنا نمزج منه للحمار فاعتل عنه وانتفض علينا من أجله.

فصرنا بعد ذلك نسقيه العذب صرفاً.

وكنت أنا والنعجة كثيراً ما نغتسل بالعذب مخافة أن يعتري جلودنا منه مثل ما اعترى جوف الحمار.

فكان ذلك الماء العذب الصافي يذهب باطلاً.

ثم انفتح لي باب من الإصلاح فعمدت إلى ذلك المتوضأ فجعلت في ناحية منه حفرة وصهرجتها وملستها حتى صارت كأنها صخرة منقورة.

وصوبت إليها المسيل.

فنحن الآن إذا اغتسلنا صار الماء إليها صافياً لم يخالطه شيء.

والحمار أيضاً لا تقزز له منه.

وليس علينا حرج في سقيه منه.

وما علمنا أن كتاباً حرمه ولا سنة نهت عنه.

فربحنا هذه منذ أيام وأسقطنا مؤنة عن النفس والمال مال القوم.

وهذا بتوفيق الله ومنه.

فأقبل عليهم شيخ فقال: هل شعرتم بموت مريم الصناع فإنها كانت من ذوات الاقتصاد وصاحبة إصلاح.

قالوا: فحدثنا عنها.

قال: نوادرها كثيرة وحديثها طويل.

ولكني أخبركم عن واحدة فيها كفاية.

قالوا: وما هي قال: زوجت ابنتها وهي بنت اثنتي عشرة فحلتها الذهب والفضة وكستها المروى والوشي والقز والخز وعلقت المعصفر ودقت الطيب وعظمت أمرها من قدرها عند الأحماء.

فقال لها زوجها: أنى هذا يا مريم قالت: هو من عند الله.

قال: دعي عنك الجملة وهاتي التفسير.

والله ما كنت ذات مال قديماً ولا ورثته حديثاً.

وما أنت بخائنة في نفسك ولا في مال بعلك.

إلا أن تكوني قد وقعت على كنز! وكيف دار الأمر فقد أسقطت عني مؤنة وكفيتني هذه النائبة.

قالت: اعلم أني منذ يوم ولدتها إلى أن زوجتها كنت أرفع من دقيق كل عجنة حفنة.

وكنا - كما قد علمت - نخبز في كل يوم مرة.

فإذا اجتمع من ذلك مكوك بعته.

قال زوجها: ثبت الله رأيك وأرشدك! ولقد أسعد الله من كنت له سكناً وبارك لمن جعلت له إلفاً! ولهذا وشبهه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من الذود إلى الذود إبل.

وإني لأرجو أن يخرج ولدك على عرقك الصالح وعلى مذهبك المحمود.

فنهض القوم بأجمعهم إلى جنازتها وصلوا عليها.

ثم انكفؤا إلى زوجها فعزوه على مصيبته وشاركوه في حزنه.

ثم اندفع شيخ منهم فقال: يا قوم لا تحقروا صغار الأمور فإن كل كبير صغير.

ومتى شاء الله أن يعظم صغيراً عظمه وأن يكثر قليلاً كثره.

وهل بيوت الأموال إلا درهم إلى درهم وهم الذهب إلا قيراط إلى جنب قيراط وليس كذلك رمل عالج وماء البحر وهل اجتمعت أموال بيوت إلا بدرهم من هاهنا ودرهم من هاهنا فقد رأيت صاحب سفط قد اعتقد مائة جريب في أرض العرب ولربما رأيته يبيع الفلفل بقيراط الحمص بقيراط فأعلم أنه لم يربح في ذلك الفلفل إلا الحبة والحبتين من خشب الفلفل.

فلم يزل يجمع من الصغار الكبار حتى اجتمع ما اشترى به مائة جريب!.

ثم قال: اشتكيت أياماً صدري من سعال كان أصابني فأمرني قوم بالفانيذ السكري.

وأشار على آخرون بالحريرة تتخذ من النشاستج والسكر ودهن اللوز وأشباه ذلك.

فاستثقلت المؤنة وكرهت الكلفة ورجوت العافية.

فبينا أنا أدافع اِلأيام إذ قال لي بعض الموفقين: عليك بماء النخالة فاحسه حاراً.

فحسوت فإذا هو طيب جداً وإذا هو يعصم: فما جعت ولا اشتهيت الغذاء في ذلك اليوم إلى الظهر.

ثم ما فرعت من غدائي وغسل يدي حتى فقلت للعجوز: لم لا تطبخين لعيالنا في كل غداة نخالة فإن ماءها جلاء للصدر وقوتها غذاء وعصمة ثم تجففين بعد النخالة فتعود كما كانت.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير