[القصيدة القصيرة في الشعر العربي الحديث]
ـ[محمد سعد]ــــــــ[02 - 10 - 2007, 09:52 م]ـ
[القصيدة القصيرة في الشعر العربي الحديث]
إعداد: محمد أحمد سعد
في بعض الآداب تحتل القصيدة القصيرة منزلة متميزة حتى لتعد نوعا من الشعر له خصائصه الفارقة، لا من حيث عدد الأبيات أو (الأشطار) أو عدد التفعيلات وحسب، بل من حيث ارتباطها أيضا بموضوع رئيسي في اغلب الأحيان، واستقلالها باسم خاص بها.
وقد أخذت هذه القصيدة تبرز في الشعر العربي الحديث على نحو يشير إلى ان اختيار هذا الشكل أمر متعمد لكنها لا تستقل باسم، وربما لم تتحدد بموضوع، فما هي هذه القصيدة؟ ومن هم ابرز المقبلين على نظمها؟ وهل سلكوا بها مناحي مختلفة أو اقتصروا على منحى واحد، وبأي الموضوعات ارتبطت، وبأي مؤثرات – خارجية أو داخلية – تأثرت؟
القصيرة في الأدب العربي القديمعرف الشعر العربي منذ نشأته حتى اليوم المقطوعة ولكن ليس هناك تحديد متفق عليه لعدد أبياتها فالذين رأوا ان القصيد قد تكون ثلاثة أبيات (الأخفش مثلا) أنكروا ضمنا وجود المقطوعة والذين رأوا ان أبيات المقطوعة قد ترتفع في العدد إلى عشرة بل إلى خمسة عشر الغوا الفارق بين القصيدة والمقطوعة من حيث الطول، وتوسط آخرون فقالوا ان المقطوعة لا بد ان تكون اقل من عشرة أبيات، ولكن جميع هؤلاء لم يحددوا لها غرضا أو موضوعا مستقلا، فهي تؤدي ما تؤديه القصيدة في هذا المجال.
وكثيرا ما يحس القارئ بالاكتفاء إذا قرأ بيتين أو بضعة أبيات تعبر عن نقد اجتماعي أو تصوير هجائي كتصوير ابن الرومي مثلا فان هذا الشاعر الذي يجمع بين طرفي الإطالة المسرفة والإيجاز الشديد يثبت ان الأمر في الطول والقصر لا يمثل اختلافا فنيا كبيرا، إذ ان سخرية حادة يوردها في بيتين قد تكون ارسخ أثرا من قصيدة ذات عدة أبيات مثل قوله:
ان كنت من جهل حقي غير معتذر = أو كنت من رد مدحي غير متئب
فاعطني ثمن الطرس الذي كتبت = فيه القصيدة أو كفارة الكذب
ولا بد ان يكون الاكتفاء بالمقطوعة كما تجيء (دمن حذف) عائدا إلى عدة أسباب منها ما يتصل بطبيعة موهبة الشاعر نفسه. فهي موهبة لا صبر لها على الإطالة، ومنها ما يتصل بطبيعة القصيدة القصيرة وأنها مفضلة لأنها أسرع شيوعا وأسير في الناس واسهلا حفظا، ومنها ما يتصل بطبيعة الموضوع كان يكون موضوعا يتطلب الإيماء واللمح وتذهب روعته إذا طال كالنكتة نفسها.
[القصيدة القصيرة في الشعر العربي الحديث]
مضت سنوات تقارب عقدين حتى استأنف الشعراء انتباههم إلى قيمة القصيدة القصيرة وفاعليتها في إبلاغ رسالة الشاعر إلى الجمهور فقد أصبحت القصيدة الطويلة تؤدي بعض دورها في تقريب الشاعر من الجمهور في الموضوع. ولكنها تساعد ما بين الاثنين في طريقة التعبير والتصوير فالعودة إلى القصيدة القصيرة كانت تمثل نسبة كبيرة من الوضوح؛ لأن طولها لا يسمح بتدافع الصور وتكثفها ولان الحدة الغالبة عليها تتطلب مشاركة بين القارئ والشاعر في القبض على سر اللمحة الدالة؛ ولهذا ولأسباب أخرى ازداد ميل الشعراء إلى القصيدة القصيرة نظراً لطبيعة العصر وتماشيا مع إيقاعاته السريعة. وقد نشأت القصيدة القصيرة وترعرعت في أحضان الغنائية، وهذا يربطها بالإيقاع ربطا مباشرا إذ تسمى " القصيدة القصيرة في العادة غنائية، وكان ذلك في الأصل يعني قصيدة من القصر بحيث يمكن تلخيصها وغناؤها في فترة متعة " (عز الدين إسماعيل، الأسس الجمالية في النقد العربي) وغنائية القصيدة القصيرة لا تعتمد على قصرها فحسب، بل تقوم على أساس ومضها وسرعة إيقاعها، واكتفائها بذاتها في اسطر قليلة، وربما في كلمات، تمتلك أقصى درجات الكثافة، وتكتمل دلاليا لإحاطتها بالمعنى من كل جانب دون الحاجة لأية إضافات أخرى.
نص تطبيقي
" النظام العالمي الجديد " للشاعر اليمني " احمد ضيف الله العواضي "
الإشارة خضراء،
والوقت منقبض في الفضا
طار سرب القطا
فرأى أمماً في البعيد،
دمها مالحُ ويداها وعيد!
الإشارة صفراء
مرّ السلام المخبأ في الشاحنات الحديد.
الإشارة سوداء!
مرّ جنود الخرافة في كلّ زينتهم،
وحشوا في بنادقهم طلقات النظام الجديد
العنوان:
¥