أراكَ عصيَّ الدَّمْعِ شيمَتُكَ الصَّبْرُ
ـ[خيال الغلباء]ــــــــ[06 - 09 - 2007, 03:34 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الفارس أبو فراس الحارث بن سعيد الحمداني
أراكَ عصيَّ الدَّمْعِ شيمَتُكَ الصَّبْرُ
= أما لِلْهَوى نَهْيٌ عليكَ و لا أمْرُ؟
بَلى، أنا مُشْتاقٌ وعنديَ لَوْعَةٌ
= ولكنَّ مِثْلي لا يُذاعُ لهُ سِرُّ!
إذا اللّيلُ أَضْواني بَسَطْتُ يَدَ الهوى
= وأذْلَلْتُ دمْعاً من خَلائقِهِ الكِبْرُ
تَكادُ تُضِيْءُ النارُ بين جَوانِحي
= إذا هي أذْكَتْها الصَّبابَةُ والفِكْرُ
مُعَلِّلَتي بالوَصْلِ، والمَوتُ دونَهُ
= إذا مِتُّ ظَمْآناً فلا نَزَلَ القَطْرُ!
حَفِظْتُ وَضَيَّعْتِ المَوَدَّةَ بيْننا
= وأحْسَنُ من بعضِ الوَفاءِ لكِ العُذْرُ
وما هذه الأيامُ إلاّ صَحائفٌ
= ِلأحْرُفِها من كَفِّ كاتِبِها بِشْرُ
بِنَفْسي من الغادينَ في الحيِّ غادَةً
= هَوايَ لها ذنْبٌ، وبَهْجَتُها عُذْرُ
تَروغُ إلى الواشينَ فيَّ، وإنَّ لي
= لأُذْناً بها عن كلِّ واشِيَةٍ وَقْرُ
بَدَوْتُ، وأهلي حاضِرونَ، لأنّني
= أرى أنَّ داراً، لستِ من أهلِها، قَفْرُ
وحارَبْتُ قَوْمي في هواكِ، وإنَّهُمْ
= وإيّايَ، لو لا حُبُّكِ الماءُ والخَمْرُ
فإنْ يكُ ما قال الوُشاةُ ولمْ يَكُنْ
= فقدْ يَهْدِمُ الإيمانُ ما شَيَّدَ الكفرُ
وَفَيْتُ، وفي بعض الوَفاءِ مَذَلَّةٌ،
= لإنسانَةٍ في الحَيِّ شيمَتُها الغَدْر
وَقورٌ، ورَيْعانُ الصِّبا يَسْتَفِزُّها،
= فَتَأْرَنُ، أحْياناً كما، أَرِنَ المُهْرُ
تُسائلُني من أنتَ؟ وهي عَليمَةٌ
= وهل بِفَتىً مِثْلي على حالِهِ نُكْرُ؟
فقلتُ كما شاءَتْ وشاءَ لها الهوى
:= قَتيلُكِ! قالت: أيُّهمْ؟ فَهُمْ كُثْرُ
فقلتُ لها: لو شَئْتِ لم تَتَعَنَّتي،
= ولم تَسْألي عَنّي وعندكِ بي خُبْرُ!
فقالتْ: لقد أَزْرى بكَ الدَّهْرُ بَعدنا
= فقلتُ: معاذَ اللهِ بل أنتِ لا الدّهر
وما كان لِلأحْزان، ِ لولاكِ، مَسْلَكٌ
= إلى القلبِ، لكنَّ الهوى لِلْبِلى جِسْر
وتَهْلِكُ بين الهَزْلِ والجِدِّ مُهْجَةٌ
= إذا ما عَداها البَيْنُ عَذَّبها الهَجْرُ
فأيْقَنْتُ أن لا عِزَّ بَعْدي لِعاشِقٍ،
= و أنّ يَدي ممّا عَلِقْتُ بهِ صِفْرُ
وقلَّبْتُ أَمري لا أرى ليَ راحَة، ً
= إذا البَيْنُ أنْساني ألَحَّ بيَ الهَجْرُ
فَعُدْتُ إلى حُكم الزّمانِ وحُكمِها
= لها الذّنْبُ لا تُجْزى بهِ وليَ العُذْرُ
كَأَنِّي أُنادي دونَ مَيْثاءَ ظَبْيَةً
= على شَرَفٍ ظَمْياءَ جَلَّلَها الذُّعْرُ
تَجَفَّلُ حيناً، ثُمّ تَرْنو كأنّها
= تُنادي طَلاًّ بالوادِ أعْجَزَهُ الحَُضْرُ
فلا تُنْكِريني، يابْنَةَ العَمِّ، إنّهُ
= لَيَعْرِفُ من أنْكَرْتهِ البَدْوُ والحَضْرُ
ولا تُنْكِريني، إنّني غيرُ مُنْكَرٍ
= إذا زَلَّتِ الأقْدامُ، واسْتُنْزِلَ النّصْرُ
وإنّي لَجَرّارٌ لِكُلِّ كَتيبَةٍ
= مُعَوَّدَةٍ أن لا يُخِلَّ بها النَّصر
وإنّي لَنَزَّالٌ بِكلِّ مَخوفَةٍ
= كَثيرٍ إلى نُزَّالِها النَّظَرُ الشَّزْرُ
فَأَظْمَأُ حتى تَرْتَوي البيضُ والقَنا
= وأَسْغَبُ حتى يَشبَعَ الذِّئْبُ والنَّسْرُ
ولا أًصْبَحُ الحَيَّ الخُلُوفَ بغارَةٍ
= و لا الجَيْشَ ما لم تأْتِهِ قَبْلِيَ النُّذْرُ
ويا رُبَّ دارٍ، لم تَخَفْني، مَنيعَةً
= طَلَعْتُ عليها بالرَّدى، أنا والفَجْر
وحَيٍّ رَدَدْتُ الخَيْلَ حتّى مَلَكْتُهُ
= هَزيماً ورَدَّتْني البَراقِعُ والخُمْرُ
وساحِبَةِ الأذْيالِ نَحْوي، لَقيتُها
= فلَم يَلْقَها جافي اللِّقاءِ ولا وَعْرُ
وَهَبْتُ لها ما حازَهُ الجَيْشُ كُلَّهُ
= ورُحْتُ ولم يُكْشَفْ لأبْياتِها سِتْر
ولا راحَ يُطْغيني بأثوابِهِ الغِنى
= ولا باتَ يَثْنيني عن الكَرَمِ الفَقْرُ
وما حاجَتي بالمالِ أَبْغي وُفورَهُ
= إذا لم أَفِرْ عِرْضي فلا وَفَرَ الوَفْرُ
أُسِرْتُ وما صَحْبي بعُزْلٍ لَدى الوَغى،
= ولا فَرَسي مُهْرٌ، ولا رَبُّهُ غُمْرُ
ولكنْ إذا حُمَّ القَضاءُ على امرئٍ
= فليْسَ لَهُ بَرٌّ يَقيهِ، ولا بَحْرُ
وقال أُصَيْحابي: الفِرارُ أو الرَّدى؟
= فقلتُ: هما أمرانِ، أحْلاهُما مُرُّ
ولكنّني أَمْضي لِما لا يَعيبُني،
= وحَسْبُكَ من أَمْرَينِ خَيرُهما الأَسْر
يَقولونَ لي: بِعْتَ السَّلامَةَ بالرَّدى
= فقُلْتُ: أما و اللهِ، ما نالني خُسْرُ
وهلْ يَتَجافى عَنّيَ المَوْتُ ساعَةً
= إذا ما تَجافى عَنّيَ الأسْرُ والضُّرُّ؟
هو المَوتُ، فاخْتَرْ ما عَلا لكَ ذِكْرُهُ
= فلم يَمُتِ الإنسانُ ما حَيِيَ الذِّكْرُ
ولا خَيْرَ في دَفْعِ الرَّدى بِمَذَلَّةٍ
= كما رَدَّها، يوماً، بِسَوْءَتِهِ عَمْرُو
يَمُنُّونَ أن خَلُّوا ثِيابي، وإنّما
= عليَّ ثِيابٌ، من دِمائِهِمُ حُمْرُ
وقائِمُ سَيْفٍ فيهِمُ انْدَقَّ نَصْلُهُ،
= وأعْقابُ رُمْحٍ فيهُمُ حُطِّمَ الصَّدْرُ
سَيَذْكُرُني قومي إذا جَدَّ جِدُّهُمْ،
= وفي اللّيلةِ الظَّلْماءِ يُفْتَقَدُ البَدْرُ
فإنْ عِشْتُ فالطِّعْنُ الذي يَعْرِفونَهُ
= وتِلْكَ القَنا والبيضُ والضُّمَّرُ الشُّقْرُ
وإنْ مُتُّ فالإنْسانُ لابُدَّ مَيِّتٌ
= وإنْ طالَتِ الأيامُ، وانْفَسَحَ العُمْرُ
ولو سَدَّ غيري ما سَدَدْتُ اكْتَفوا بهِ
= وما كان يَغْلو التِّبْرُ لو نَفَقَ الصُّفْرُ
ونَحْنُ أُناسٌ، لا تَوَسُّطَ بيننا،
= لنا الصَّدْرُ دونَ العالمينَ أو القَبْرُ
تَهونُ علينا في المعالي نُفوسُنا
= ومن خَطَبَ الحَسْناءَ لم يُغْلِها المَهْرُ
أعَزُّ بَني الدُّنيا وأعْلى ذَوي العُلا،
= وأكْرَمُ مَنْ فَوقَ التُّرابِ ولا فَخْرُ
منقول وانتم سالمين وغانمين والسلام
¥