تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[شعر النقائض]

ـ[د. منذر عمران الزاوي]ــــــــ[20 - 09 - 2007, 01:10 م]ـ

[شعر النقائض]

النقيضة مصطلح مأخوذ في الأصل من نقَض البناء إذا هَدَمَه، قال تعالى: ?ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا? "النحل: 92" , وناقَضَه في الشيء مناقضةً ونِقَاضًا خالفه , والمناقضة في القول أن يتكلم بما يتناقض معناه، وفي الشعر أن ينقض الشاعر ما قال الأول، حيث يأتي بغير ما قال خصمه , والنقيضة هي الاسم المفرد يُجمع على نقائض.

تمثل النقائض مصطلحاً أدبياً لنمط شعري نشأ في العصر الاموي، وهي عبارة عن معارك شعرية دارت رحاها بين عدد من الشعراء في العصر الاموي، وكان فرسانها الاخطل وجرير والفرزدق، وكان الشاعر يكتب قصيدة في هجاء خصمه، فيرد الخصم (ناقضا) هذه القصيدة بقصيدة اخرى لها نفس الوزن والقافية، و قد تركزت النقائض في العصر الاموي على غرض الهجاء تحديدا حيث كان الشاعر لايصبر على هجاء خصمه فيجيبه بقصيدة أخرى اكثر اقذاعا وافحاشاً.

نشأ فن النقائض في العصر الأموي واشتدت المهاجاة الشعرية بين الشعراء المتهاجين فلم يصمد في الميدان سوى ثلاثة من فحول الشعر هم: جرير والفرزدق والأخطل. وقد اشتهرت نقائض الفرزدق وجرير والأخطل، وقد كان احدهم يتجه نحو خصمه بقصيدة هاجيًا، فيعمد الآخر إلى الرد عليه بشعر مثله هاجيًا ملتزمًا البحر والقافية والرَّوِيَّ الذي اختاره الشاعر الأول , ومعنى هذا أنه لابد:

- من وحدة الموضوع فخرًا أو هجاءً أو غيرهما , ولابد

- من وحدة البحر، فهو الشكل الذي يجمع بين النقيضتين ويجذب إليه الشاعر الثاني بعد أن يختاره الأول , ولابد كذلك

- من وحدة الرَّوي لأنه النهاية الموسيقية المتكررة للقصيدة الأولى، وكأن الشاعر الثاني يجاري الشاعر الأول في ميدانه وبأسلحته نفسها.

ونمو شعر النقائض له اسبابه الاجتماعية والعقلية وكان الناس يجدون فيه نوعا من التسلية والترويح، اما النقائض بحد ذاتها فقد كانت تعبيرا واضحا عن نمو العقل العربي ومرانه على الحوار والجدل والمناظرة.

الأصل في النقائض هو المقابلة والاختلاف؛ لأن الشاعر الثاني يجعل همّه أن يفسد على الشاعر الأول معانيه فيردها عليه إن كانت هجاء، ويزيد عليها مما يعرفه أو يخترعه، وإن كانت فخرًا كذَّبه فيها أو فسَّرها لصالحه هو، أو وضع إزاءها مفاخر لنفسه وقومه وهكذا. والمعنى هو ركيزة النقائض ومحورها الذي عليه تدور، ويتخذ عناصره من الأحساب القبلية، والأنساب والأيام والمآثر والمثالب. وليست النقائض شعرًا فحسب، بل قد تكون رَجَزًا أو تكون نثرًا كذلك. ولابد أن تتوفَّر فيها وحدة الموضوع وتقابُل المعاني، وأن تتضمن الفخر والهجاء ثم الوعيد أيضًا، وقد تجمع النقائض بين الشعر والنثر في الوقت نفسه.

نشأت النقائض مع نشأة الشعر، وتطورت معه وإن لم تُسمَّ به مصطلحًا. فقد كانت تسمى حينًا بالمنافرة وأخرى بالملاحاة وما إلى ذلك من أشكال النفار. وكانت في البداية لا تلتزم إلا بنقض المعنى والمقابلة فيه، ثم صارت تلتزم بعض الفنون العامة دون بعضها الآخر، مما جعلها لا تبلغ درجة النقيضة التامة، وإن لم تبعد عنها كثيرًا، ولاسيَّما في جانب القافية. ولاشك أن النقائض نشأت ـ مثل أي فن من الفنون ـ ضعيفة مختلطة، وبمرور الزمن والتراكم المعرفي والتتبُّع للموروث الشعري، تقدَّم الفن الجدلي وأخذ يستكمل صورته الأخيرة قبيل البعثة المحمدية، حتى قوي واكتمل واتضحت أركانه وعناصره الفنية , فوصل على يد الفحول من شعراء بني أمية إلى فن مكتمل الملامح تام البناء الفني، اتخذ الصورة النهائية للنقيضة ذات العناصر المحددة التي عرفناها بشكلها التام فيما عُرف بنقائض فحول العصر الأموي وهم جرير والفرزدق والأخطل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير