[الظواهر الأسلوبية الدالة في نص للمتنبي]
ـ[محمد سعد]ــــــــ[02 - 10 - 2007, 09:30 م]ـ
البنى الأسلوبية
قال المتنبي يصف مسيره في البوادي وما لقي في أسفاره ويذم الأعور بن كروس
عذيري من عذارى من أمور = سكن جوانحي بدل الخدور
ومبتسمات هيجاوات عصر = عن الأسياف ليس عن الثغور
ركبت مشمرا قدمي إليها = وكل عذافر قلق الضفور
أوانا في بيوت البدو رحلي = وآونة على قتد البعير
اعرض للرماح الصم نحري = وانصب حر وجهي للهجير
واسري في ظلام الليل وحدي = كأني منه في قمر منير
المستوى الصوتي
لقد كرر الشاعر في البيت الأول صوت "الراء" أربع مرات (عذيري،عذارى، أمور، الخدور) وفي البيت الثاني كرر صوت السين ثلاث مرات (مبتسمات، الأسياف، ليس) وكرر الأداة (من) مرتين وجانس بين "عذيري وعذارى" وقد أحدثت هذه الأصوات شأوا بعيدا في التماثل والتناظر بعيدا.وتكررت " عن "مرتين مما أحدث توازنا مع البيت الأول، وحتى يقيم الشاعر التوازن ماثل بين " مبتسمات وهيجاوات "، وهذا التماثل جعل الأصوات تحمل التداعي والتجاوب، فصوت الراء من الأصوات " الذلقة "التي تجعل الانطلاق في الكلام بالعربية دون تعثر، أو تلعثم، وفيه احتكاك، وهو دال على عمق الأزمة التي يعاني منها المتنبي في الوقت الذي يحاول فيه هذا الصوت ان يخفف من وطأتها من خلال ما يتضمنه من خصائص تبعث على الانطلاق والتجدد والحركة وقد يكون في تكراره إيجاد حالة من التوازن بين الأسى الطاغي وتخفيف الحدة في النفس ,
أما في البيت الثالث فقد كرر الشاعر صوت الراء " 4مرات " ولكن بحركات مختلفة وفيها تباين، فالتنوين بالفتح في (مشمرا) والفتح في (ركبت) والتنوين المجرور في (عذافر) والراء المجرورة في (الضفور) وفي البيت الرابع تكرر صوت التاء ثلاث مرات ولكن بحركات مختلفة، وفي البيت الخامس تكرر صوت الراء خمس مرات ثلاث منها مشددة بالكسر مرتين (أعرض،للرماح) وقد جاء هذا الصوت متوترا نظرا لوجود الأصوات المجهورة والشديدة والمفخمة، ولكن في البيت السادس مال الصوت المفرد إلى الانحسار وقد حد من قوته التباعد في المسافة وقد استعاض عن ذلك بألفاظ بينها تجانس (نحري، رحلي، وحدي) وابرز ما احدث الإيقاع في الصوت هو ضمير المتكلم الذي اسند إليه الأفعال وكذلك الضمير في (اعرض، اسري، انصب، ركبت) وحضور الضمير على هذا النحو يجسم ما تبنى عليه الأبيات.
المستوى التركيبي
لقد اختار الشاعر الألفاظ المفردة والتي خرجت إلى استعمال دلالي، فلفظ (عذارى) نشر على البيتين الأول والثاني ظلا دلاليا لتعلقه بالفعل " سكن " وبالمفعول " جوانحي " فكان الإيهام بالمعنى الغزلي نظرا لتعلق " عذارى " بـ (الخدور) مع العلم أنها جاءت على سبيل النفي، فالنفي احضر في الذهن من الصمت،وكذلك بسطت"عذاري" دلالتها على البيت الثاني في كلمة (مبتسمات) والثغور، رغم وجود (عن) وهي تلح على الشاعر من نزع الابتسام عن الثغور لإسناده إلى الأسياف.
يوهم الشاعر بألفاظه (عذيري من عذارى، سكن، جوانحي، الجذور، مبتسمات، عن الثغور) انه يكابد أوجاع الهوى ولكن بانتقائه ألفاظا مثل الأمور وهي لفظ مشترك يطلق على غير مخصص ولكن الذي يرفع اللبس عن المعنى الغزلي هو (هيجاوات والأسياف) التي تدخل في مفردات الحرب وقد أراد الشاعر شيئا من اللبس قبل التوجه إلى دلالة الحرب.
ومما يرفع اللبس ما جاء في البيت الثاني حيث بدأ بواو الاستئناف ليصرف الكلام إلى معنى آخر ثم استعمال مبتسمات وتعلقها ب (هيجاوات) وهو ما يسمى "إضافة الشيء إلى نفسه" (معجز أحمد 2/ 235) فنزعت عنها إمكان الإسناد إلى (عذارى) والتفت إلى معنى الحرب ثم استعمال النفي الصريح "بليس" حيث الابتسام لـ (الأسياف) وحين يستصرخ الشاعر بـ (عذيري) كأن الهوى تيمه ولكن تيمته المطامح تعلقها أبكارا وتعلق السيف إليها حروبا.
الضمائر
الناظر في البيت الثالث في (إليها) فيه شيء من الإبهام فهل يعود على الهيجاوات أم عذارى الأمور، والضمير في البيت الخامس والسادس قد يعود على (حر الوجه) وعلى (ظلام الليل).
¥