تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[تعليقات على متون الكتب]

ـ[محمد سعد]ــــــــ[25 - 08 - 2007, 04:12 م]ـ

(منقول: محمد جمال صقر)

يُعْجِبُني قَوْلُه (ابن سناء الملك) نَظْمًا:

تَدّعِي الْعَقْلَ وَهْوَ أَشْرَفُ ما فيكَ وَلِمْ صارَ داخِلًا تَحْتَ حِسِّكْ

وَكَذا حُبُّكَ الْحَياةَ وَقَدْ أَصْبَحْتَ لا تَشْتَهي سِوى طولِ حَبْسِكْ

طَلِّقِ النَّفْسَ فَهْيَ أَخْوَنُ عِرْسَيْكَ أَلَيْسَتْ هِيَ الْمُشيرُ – هكذا والنصب أولى- بِعِرْسِكْ

وَإِذا اخْتالَ فَوْقَ أَرْضِكَ مِنْكَ الْعِطْفُ فَاذْكُرْ هَوانَه تَحْتَ رَمْسِكْ

لا تُغالِطْ فَما تَنالُ رِضَى اللّهِ تَعالى إِلّا بِإِغْضابِ نَفْسِكْ

ما أَهانَ الْوَرى وَلا مَلَكَ الدُّنْيا وَلا حازَها سِوى الْمُتَنَسِّكْ

قُلْتُ: ما أَحْلى ما أَتى بِـ" الْمُتَنَسِّكْ " هُنا قافِيَةً؛ فَسَقَى اللّهُ ضَريحَه، وَرَوَّحَ روحَه! وَما كانَ أَلْطَفَ ذَوْقَه، وَأَشَبَّ عُمْرَهُ الَّذي جَعَلَ الْهِلالَ طَوْقَه! وَهذِهِ الْقافِيَةُ لا يُجيزُهَا الْعَروضيّونَ وَيَحْتَجّونَ بِأَنَّ الْكافَ أَصْليَّةٌ، وَلَيْسَتْ ضَميرًا كَأَخَواتِها. وَأَنا وَغَيْري مِنْ أَئِمَّةِ الْأَدَبِ الَّذينَ لَطُفَ ذَوْقُهُمْ، يَرَوْنَ أَنَّ هذِهِ الْقافِيَةَ بَيْنَ نُجومِ الْقَوافي، كَالشَّمْسِ، وَهِيَ الَّتي فيها خِفَّةُ الرّوحِ، وما عَداها فيهِ ثِقَلُ الرَّمْسِ، لِأَنَّها قَليلَةُ الْوُقوعِ فِي الْكَلامِ، بَخيلَةٌ بِالزِّيارَةِ وَرَدِّ السَّلامِ، قَلَّ أَنْ يَظْفَرَ النّاظِمُ مِنْ هذا النَّوْعِ بِقافِيَةٍ، وَيَجِدَ لَها ثانِيَةً، وَالِاسْتِقْراءُ أَمامَكَ؛ فَاطْلُبْ لَها أُخْتًا، وَاسْلُكْ مِنْ أَرْضِ اللُّغَةِ عِوَجًا وَأَمْتًا، فَإِنْ وَجَدْتَ فَبَعْدَ جَهْدٍ وَتَعَبٍ فِي النَّظْمِ وَالنَّثْرِ يُؤَدِّيانِكَ إِلَى الزُّهْدِ، بِخِلافِ أَخَواتِهَا الْبَواقي، لِأَنَّكَ تَجِدُ أَمْثالَهُنَّ في مَطالِعِ اللُّغَةِ رَواقِيَ، يَعْرِفُ هذا الْقَوْلَ أَرْبابُه، وَمَن بَيْني وَبَيْنَه نِسْبَةٌ أَوْ تَشابُهٌ. وَقالَ أَبُو الْعِزِّ مُظَفَّرٌ الْأَعْمى: دَخَلْتُ عَلَى الْمَلِكِ الْكامِلِ، فَقالَ لي: أَجِزْ هذَا النِّصْفَ:

قَدْ بَلَغَ الشَّوْقُ مُنْتَهاه

فَقُلْتُ:

وَما دَرَى الْعاشِقونَ ما هو

فَقالَ:

وَإِنَّما غَرَّهُمْ دُخولي

فَقُلْتُ:

فيه فَهاموا بِه وَتاهوا

فَقالَ:

وَلي حَبيبٌ يَرى هَواني

فَقُلْتُ:

وَما تَغَيَّرْتُ عَنْ هَواه

فَقالَ:

رِياضَةُ النَّفْسِ فِي احْتِمالي

فَقُلْتُ:

وَرَوْضَةُ الْحُسْنِ في حُلاه

فَقالَ:

أَسْمَرُ لَدْنُ الْقَوامِ أَلْمى

فَقُلْتُ:

يَعْشَقُه كُلُّ مَنْ يَراه

فَقالَ:

ريقَتُه كُلُّها مُدامٌ

فَقُلْتُ:

خِتامُها الْمِسْكُ مِنْ لَماه

فَقالَ:

لَيْلَتُه كُلُّها رُقاد

فَقُلْتُ:

وَلَيْلَتي كُلُّهَا انْتِباه

ثُمَّ إِنَّ مُظَفَّرًا أَكْمَلَها مَديحًا فيهِ، وَقَدْ أَوْرَدْتُ هذَا الشِّعْرَ لِأَنَّ فيهِ قافِيَتَيْنِ لا يَجوزانِ عَلى رَأْيِ أَرْبابِ الْعَروضِ، وَهُما أَحْسَنُ ما في هذِهِ الْقَوافي: الْأولى " ما هُو "، وَالثّانِيَةُ " انْتِباه "، انْظُرْهُما تَجِدْهُما أَحْسَنَ الْقَوافي، وَلَوْ تُرِكْنا وَالْعَقْلَ لَكانَ يَنْبَغي أَلّا تُعَدَّ الْقَوافي إِلّا إِذا كانَتْ غَيْرَ مُتَّصِلاتٍ بِضَميرِ مُخاطَبٍ أَوْ غائِبٍ أَوْ مُتَكَلِّمٍ، لِأَنَّ في ذلِكَ شَيْئًا مِنَ الْإيطاءِ. وَما أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ سَناءِ الْمُلْكِ مِنْ قَصيدَةٍ:

فَخُذِ الْحَديثَ عَنِ الْمَدامِعِ فَهْيَ تَرْوي عَنْ قَتادَهْ

إِنّي بَديهيُّ الدُّموعِ وَإِنَّ دَمْعي لا يُبادَهْ

وَقَوْلَ ابْنِ بابَكَ مِنْ أَبْياتٍ:

هُوَ الرَّبْعُ يَخْرَسُ إِنْ شِمْتَه وَإِنْ سُمْتَه خَبَرًا خَبَّرَكْ

فَلا تُرْعِدَنْكَ دَواعِي الْهَوى فَطَوْدُ الْمَهابَةِ قَدْ وَقَّرَكْ

كَأَنَ لِسانِيَ قَدْ ساقَه إِلَى الْحَمْدِ أَخْذُكَ ما قَدْ تَرَكْ

غُبارٌ تَصَدَّعَ عَنْ فارِسٍ يُقَطِّرُ مِنْ قَسْطَلِ الْمُعْتَرَكْ

نَقَلْتُ هذِهِ الْأَبْياتَ مِنْ ديوانِ بِخَطِّ ابْنِ خَروفٍ النَّحْويِّ، وَالْقَصيدَةُ مُثْبَتَةٌ في حَرْفِ الرّاءِ، وَوَجَدْتُ ابْنَ خَروفٍ قَدْ كَتَبَ عَلَى الْهامِشِ هذَا الْبَيْتَ في قافِيَةِ الْكافِ، وَالَّذي بَعْدَه، وَتَرَكَ " وَالْمُعْتَرَكْ "، في قافِيَةِ الرّاءِ، وَهُوَ غَيْرُ جائِزٍ، وَيَجوزُ الْكُلُّ في قافِيَةِ الْكافِ

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير