وأية جارحة منعتها الحركة، ولم تمرِّنها على الاعتمال، أصابها من التعقُّد على حسب ذلك المنع،
وكثيرًا ما يتساءل المربُّون: لماذا انحدرت سوية التعليم عن ذي قبل؟ وما أسباب ضعف الطلبة والخريجين في العربية بعد طول قوة؟ والجواب يكمن في طريقة تدريسهم التي تغيرت واستبدل فيها الذي هو أدنى بالذي هو خير، أجل فقد غدت العاميات المبتذلة وسيلة تدريس العلوم المختلفة، حتى اللغة العربية!! فهي تدرس في كثير من المدارس والجامعات بلهجة عامية أحيانًا وبلغة ركيكة ليست من الفصاحة في شيء أحيانًا أخرى! فكيف يكتسب الطالب فصاحةً؟ وأنَّى له بها؟!
إن الحلَّ يكمن في إعادة النظر في طرق التدريس ولغة التدريس، ولا شكَّ أن ذلك يحتاج إلى جهود كبيرة لتأهيل المدرسين لغويًّا ولإعادة النظر أيضًا بمن يؤهل للتدريس، وهي مسألة لا تخلو من صعوبة ولكنها ليست بمستحيلة إذا صحَّ العزم وصدقت النية ولاح الهدف من وراء ذلك مشرقًا ينبئ بمستقبل مشرق.
وعندما تغدو العربية هي الوسيلة الوحيدة للتعبير في قاعة الدرس يتسابق الطلبة إلى التعبير بها، ويتبارون في تجويدها، ويتفنَّنون في أساليب الكلام، مما يخرج ألسنتهم من طول الإسار، ويذهب عنها الحبسة والركاكة، والعيّ والفهاهة،
بل إن العدوى ستنتقل من قاعة الدرس إلى المجالس الأخرى والأندية والمحافل، حيث يتمايز الناس بطريقة نطقهم، ولا يعلو حديث مهما سما على الحديث بالعربية المبينة، فهي التي تسيطر بسحرها وجمالها وروائها على كل أهل المجلس، فتراهم منقادين إلى من يتقن الحديث بها، مصروفين إليه، يلتذون بوقع كلامه على أسماعهم، تتجاوب معه نبضات قلوبهم،
ولا يتوقف أمر الفصاحة على اللسان، وإنما يشاركه فيها القلم، فالقلم أحد اللسانين، وهو أبقى أثرًا، لأن الكتاب يقرأ بكل مكان ويدرس في كل زمان، ويتجاوز الحدود ويرتفع على القيود.
فإذا تمرَّس الطالب بأساليب الكتابة، حسن تعبيره وشقَّ طريقه إلى امتلاك ناصية القلم، مما يعود عليه بالخير العميم، والنفع المستديم، فالكتابة تفتح آفاقًا واسعة، وتصل إلى ما لا يصل إليه اللسان، ولكنها كاللسان أو هي أعصى، لمسيس حاجتها إلى طول الدربة، وكثرة التمرين، ومعاودة التجربة، وإعادة النظر فيما يكتب، فالكاتب يطمح دائمًا إلى تجويد كتابته والرقيّ بها إلى مدارج البلغاء، مما يضطره إلى إعادة النظر، والحذف والتعديل، والإضافة والتذييل، ورحم الله القاضي الفاضل إذ يقول في رسالة منه إلى العماد الأصفهاني:
((إني رأيتُ أنَّهُ لا يكتب إنسانٌ كتابًا في يومه إلاَّ قال في غَدِهِ: لو غُيِّر هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قُدِّم هذا لكان أفضل، ولو تُرِك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العِبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر)) وبهذا تصقل الكتابة، وتتضح سمات الأسلوب، ويبلغ الكاتب حدَّ الفصاحة والإبداع. و يتغلغل عشق اللغة في نفسه و يجري حبها في دمائه
دور المعلم، ويتلخص في الآتي:
• - قراءة أناشيد وأراجيز ذات لحن مغنّى وخفيف يستهوي أفئدة الأطفال، ويؤثر في نفوسهم، ويحاكي معتقدهم.
• الابتعاد عن الشدة: يقول ابن خلدون في المقدمة: "إنّ الشدّة على المتعلمين مضرّة بهم، وإنّ العقاب البدني على المتعلمين أشد ضرراً؛ لأنه يُدخل الضيق عليهم، ويذهبُ بنشاطهم، ويدعو للكذب والخبث لتفادي العقوبة".
• تفعيل مكتبة الفصل: فمكتبة الفصل ليست ركناً مكمّلاً من أركان الفصل، وليست مجموعة من الكتب المصفوفة وقطع الأثاث الموضوعة، بل هي غرفة عمليات حقيقية تجري فيها بحوث، وتُناقش كتب، ويُرشّح فيها أفضل الكتّاب وأميز القراء.
• لطريقة التدريس أثر كبير في تحقيق أهداف التربية، وينبغي أن نتذكّر هنا أن المعلم لا يعلّم بمادته فحسب، وإنما يعلّم بطريقته وأسلوبه وشخصيته وعلاقاته مع تلاميذه، وما يضربه لهم من قدوة حسنة، ومثل أعلى.
• - الحوار: من أجل تعويد الطالب على مواجهة الآخرين وإيصال المعلومات والرسائل إلى كل من يتعامل معهم.
• - التربية الإنسانية:.و تكون التربية مستمرة، و ليست جرعة تُعطى مرّة واحدة و إلى الأبد بل هي بحاجة إلى الاستمرار؛ لأن العلم لديه دائماً شيء جديد يوافينا به. و التربية ليست مجرّد وسيلة للمعرفة، بل لتربية المجتمع ونهضته وتحقيق آماله.
ـ[أحلام]ــــــــ[22 - 08 - 2007, 02:42 م]ـ
جزاك الله خيرا
وعلى غيرتك على اللغة العربية