استمرت الصعلكة على مدار العصر الجاهلي ولكن مجئ الاسلام الذي ساوى بين الناس ولم يفرق بين ابيض واسود وبين عربي واعجمي وحول ولاء الفرد من ولاء للقبيلة الى ولاء لله ورسله وبذلك تقلصت مؤقتاً مظاهر التفرقة الطبقية وعاش الناس لايميز احدهم عن الآخر الا ايمانه الشديد واخلاصه للعقيدة , ولم يكن ثمة مبرر لاستمرار ظاهرة الصعلكة بنفس قوتها في الجاهلية فالاسلام وزع الخيرات بالتساوي بين الناس ونصر المظلوم وساعد المحتاج ووضع همه في نشر تعاليم الدين الجديد , ولم يكن مجتمع الصعاليك بمنأى عن هذه القيم الاخلاقية الكريمة فهم فوارس وشجعان وكرماء ووجدوا في الدين وازعا لهم.
ولكن العصر الاموي عاد فكرس الفقر والطبقية وانتشرت الملاهي والترف وابتعد الناس عى نقاوة الاسلام الاولى , وعاد الغنى يتركز في ايدي القلة بينما كانت الاكثرية المحرومة لاتجد قوت يومها فنشا جيل من الثائرين على واقعهم الاجتماعي يشبهون كثيرا صعاليك الزمن الغابر , قد أصابهم الفقر، فتاقوا الى الغنى، عبر مسالك المغامرة والغزو والفتك،
ولم يكن سلوكهم العدواني هدفا في حد ذاته بل مجرد وسيلة للحفاظ على حياتهم وكرامتهم.
ومن هؤلاء ابو النشناش النهشلي الذي كان يعترض القوافل فيسلبها حمولتها ويوزع مايحصل عليه على المحتاجين وكثيرا ماذم الفقر في شعره ووصف حياة التشرد:
ولم ار مثل الفقر ضاجعه الفتى ..... ولاكسواد الليل اخفق طالبه
وسائلة اين الرحيل وسائل ........ ومن يسأل الصعلوك اين مذاهبه
اما الاحيمر السعدي فقد كره بني البشر اجمعين وحقد على واقعه الاجتماعي المزري ورفضه الطلب من لئام الناس لأن خيرات الله تملا الدنيا وليس على المرء سوى اخذها بالقوة:
عوى الذئب فاستانست بالذئب اذ عوى .... وصوت انسان فكدت طير
واني لاستحيي من الله ان ارى ........ اجرر حبلا ليس فيه بعير
وان اسال المرء اللئيم بعيره ..... وبعران ربي في البلاد كثير
فهم أصحاب أنفة واعتداد بالنفس، فيتحملون الأذى الجسدي، والجوع، من أن يستجدى أحدهم غيره.
لم يتميز شعر الصعاليك بالقصائد الطوال بل كان شعر مقطوعات صغيرة تعبر عن الغاية باختصار كما تميز شعرهم بوحدة الموضوع فلم يكن يفرع عن موضوع القصيدة مواضيع اخرى الا ماندر ونلاحظ انهم قد تركوا اسلوب الجاهليين في البكاء على الاطلال وتركوا المقدمات الغزلية التي لاتتناسب مع الموضوع الاساس ويتميز شعرهم بالواقعية والشفافية والصدق وحرارة شعورهم بالظلم والفاقة
تميزت الحركة الصعلوكية بانها كانت ثورة على الواقع الاجتماعي واحتجاجا على الفوارق الطبقية ومظهرا من مظاهر الصراع بين الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة وبما انهم كانوا يعبرون عن حال غالب الناس فقد تعاطف الفقراء معهم الى ابعد حد ولكن ثورتهم لم تكن ثورة منظمة شعبية بل كانت ثورة فردية عشوائية يعبر كل صعلوك فيها عن معاناته وقد يصل الامر ببعضهم الى حد الحقد على البشر جميعا واعتزالهم ونظرا لهذه الفردية غير المنظمة فقد فشلت هذه الحركة في تحقيق العدالة الاجتماعية لان العدالة الاجتماعية تتطلب ثورة اجتماعية جماهيرية وليس افرادا مغامرين فقط.
ـ[المتيم]ــــــــ[29 - 09 - 2007, 12:56 ص]ـ
الدكتور منذر مجهود رائع تشكر عليه .............
((يقول الأستاذ الدكتور فضل العماري عضو هيئة التدريس في جامعة الملك سعود تخصص أدب جاهلي وأنا من أحد طلابه يقول:
من الأخطاء الشائعة أورثها لنا الأكادميون قولهم شعراء الصعاليك لأن هناك عادة عند العرب وهي الغزو والنهب اي القوي يأكل الضعيف وأنها مدخل أساس من مداخل الرزق على القبيلة .......... فلذا يكون موقفنا من هذا.
1_ أما أن نقول هناك صعاليك ونمحي هذه العادة عند العرب الا وهي الغزو
2__ أو نقول أن العرب جميعا صعاليك ......... ))
ـ[الأحيمر السعدي]ــــــــ[30 - 09 - 2007, 02:43 ص]ـ
أستأذنك يا دكتور منذر بإيراد شئ من أشعار الصعاليك هنا
عُرْوَةُ بن الوَرْد
أقِلِّي عَلَي اللومَ يَا ابنَةَ مُنذرٍ= ونَامِي فإِنْ لمْ تشتَهِي النومَ فاسهَرِي
ذَرِينِي ونفسِي أُمَّ حَسَّانَ إنَّنِي = بهَا قَبلَ ألا أمِلكَ البيعَ مُشتَرِي
أحاديثَ تبقَى وَالفَتَى غيرُ خالِدٍ = إذَا هُوَ أمسَى هامَةً تَحتَ صَيِّرِ
تُجاوبُ أحجارَ الكِناسِ وتشتكِي = إلَى كُلِّ مَعرُوفٍ تَرَاهُ ومُنكَرِ
ذَرِيني أُطَوِّفْ في البلادِ لعلَّنِي = أُخَلِّيكِ أو أُغْنيكِ عَنْ سُوء مَحضَرِي
فإنْ فاز سهمٌ للمنيَّة لم أكن = جزوعاً وهل من ذاك من مُتأخرِ
وإنْ فازَ سهمٌى كفَّكُمْ عَنْ مَقاعدٍ = لَكُمْ خَلْفَ أدبارِ البُيوتِ ومَنْظَرِ
تقُولُ لكَ الويلاتُ هلْ أنتَ تارِكٌ = ضُبُوءًا بِرَجلٍ تارةً وبِمنسرِ
ومُستَثبِتٌ في مالِكَ العامَ إنَّني = أراكَ على أقتادِ صَرماءَ مُذْكِرِ
فجُوعٍ بهَا للصَّالحينَ مَزِلِّةٌ = مَخُوفٍ ردَاهَا أنْ يُصيبكَ فاحذَرِ
أبَى الخفضَ مِنْ يَغْشاكِ مِنْ ذِي قرابَةٍ = ومِنْ كُلِّ سوداءِ المعاصِمِ تَعتَرِي
ومُستهنِئٌ زيدٌ أبُوهُ فَلا أرَى = لَهُ مَدْفَعاً فاقنَيْ حياءكِ واصبرِي
لحَا اللهُ صُعلُوكاً إذَا جنَّ ليلُةُ = مُصَافي المُشَاشِ آلفاً كُلَّ مَجزَرِ
يعُدُّ الغِنَى مِنْ دهرِهِ كُلَّ ليلَةٍ = أصابَ قِراهَا مِنْ صدِيقٍٍ مُيسَّرِ
قَليلَ الِتماسِ المالِ إلاّ لِنفسِهِ = إذَا هوَ أضحَى كالعريشِ المُجَوَّرِ
ينَامُ عِشاءً ثمَّ يُصبِحُ قاعِداً = يحُتُّ الحَصَى عَنْ جنبِهِ المُتَعفِّرِ
يُعينُ نساءَ الحيِّ مَا يستعِنَّهُ = فيُضْحي طليحاً كالبعيرِ المُحَسَّرِ
وللهِ صُعلُوكٌ صفيحَةُ وجهِهِ = كضوءِ شهابِ القابِسِ المُتَنوِّرِ
مُطلاًّ عَلى أَعْدَائِهِ يَزجُرُونَهُ = بساحتِهِمْ زجرَ المنيحِ المُشَهَّرِ
وإنْ بَعُدُوا لا يَأمَنُونَ اقترابَهُ = تَشَوُّفَ أهلِ الغائِبِ المُنْتَظَّرِ
فذلكَ إنْ يَلقَ المنيةَ يلقَها = حَميداً وإنْ يستغْنِ يوماً فَأَجْدِرِ
¥