فحولت القلادة ذات ليلة من عنقه لعنق أخيه فلما أصبح قال: يا أخي أنت أنا فمن أنا وأضل بعيراً فجعل ينادي من وجده فهو له فقيل له: فلم تنشده قال: فأين حلاوة الوجدان وفي رواية: من وجده فله عشرة فقيل له: لم فعلت هذا قال: للوجدان حلاوة في القلب.
وكان إذا رعى غنماً جعل يختار المراعي للسمان وينحي المهازيل ويقول: لا أصلح ما أفسده الله.
عجل بن لجيم الأحمق: ومنهم عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. من حمقه أنه قيل له: ما سميت فرسك فقام إليه ففقأ إحدى عينيه وقال: سميته الأعور.
عن محمد بن العلاء الكاتب أنه قال: قال حمزة بن بيض لغلام له: أي يوم صلينا الجمعة في الرصافة ففكر الغلام ساعة ثم قال: يوم الثلاثاء.
وحكي: أن جحا تبخر يوماً فاحترقت ثيابه فغضب وقال: والله لا تبخرت إلا عرياناً.
وهبت يوماً ريحٌ شديدةٌ فأقبل الناس يدعون الله ويتوبون فصاح جحا: يا قوم لا تعجلوا بالتوبة وإنما هي زوبعة وتسكن.
وذكر أنه اجتمع على باب دار أبي جحا تراب كثير من هدم وغيره فقال أبوه: الآن يلزمني الجيران برمي هذا التراب وأحتاج إلى مؤنة وما هو بالذي يصلح لضرب اللبن فما أدري ما أعمل به فقال له جحا: إذا ذهب عنك هذا المقدار فليت شعري أي شيء تحسن فقال أبوه: فعلمنا أنت ما تصنع به.
فقال: يحفر له آبار ونكبسه فيها.
واشترى يوماً دقيقاً وحمله على حمال فهرب بالدقيق فلما كان بعد أيام رآه جحا فاستتر منه فقيل له: ما لك فعلت كذا فقال: أخاف أن يطلب مني كراه.
ووجهه أبوه ليشتري رأساً مشوياً فاشتراه وجلس في الطريق فأكل عينيه وأذنيه ولسانه ودماغه وحمل باقيه إلى أبيه فقال: ويحك ما هذا فقال: هو الرأس الذي طلبته.
قال: فأين عيناه قال: كان أعمى.
قال: فأين أذناه قال: كان أصم.
قال: فأين لسانه قال: كان أخرس.
قال: فأين دماغه قال: فكان أقرع قال: ويحك رده وخذ بدله.
قال: باعه صاحبه بالبراءة من كل عيب.
أخبار جماعة من العقلاء صدرت عنهم أفعال الحمقى وأصروا عليها مستصوبين لها فصاروا بذلك الإصرار حمقى ومغفلين.
أول العقلاء الحمقى إبليس فأول القوم إبليس فإنه كان متعبداً مؤذناً للملائكة فظهر منه من الحمق والغفلة ما يزيد على كل مغفل فإنه لما رأى آدم مخلوقاً من طين أضمر في نفسه لئن فضلت عليه لأهلكنه ولئن فضل علي لأعصينه.
ولو تدبر الأمر لعلم أنه كان الاختيار قد سبق لآدم لم يطق مغالبته بحيلة ولكنه جهل القدر ونسي المقدار.
اعترض على حكمة الله: ثم لو وقف على هذه الحالة لكان الأمر يحمل على الحسد ولكنه خرج إلى الإعتراض على المالك بالتخطئة للحكمة فقال: " أرأيتك هذا الذي كرمت علي " والمعنى لم كرمته ثم زعم أنه أفضل من آدم بقوله: " خلقتني من نارٍ وخلقته من طين " ومجموع المندرج في كلامه: أني أحكم من الحكيم وأعلم من العليم وأن الذي فعله من تقديم آدم ليس بصواب هذا وهو يعلم أن علمه مستفادٌ من العالم الأكبر فكأنه يقول: يا من علمني أنا أعلم منك ويا من قدر تفضيل هذا علي ما فعلت صواباً.
رضي بإهلاك نفسه: فلما أعيته الحيل رضي بإهلاك نفسه فأوثق عقد إصراره ثم أخذ يجتهد في إهلاك غيره ويقول لأغوينهم وجهله في قوله " لأغوينهم " من وجهين أحدهما: أنه أخرج ذلك مخرج القاصد لتأثر المعاقب له وجهل أن الحق سبحانه لا يتأثر ولا يؤذيه شيءٌ ولا ينفعه لأنه الغني بنفسه.
والثاني: نسي أنه من أريد حفظه لم يقدر على إغوائه ثم انتبه لذلك فقال: " إلا عبادك منهم المخلصين " فإذا كان فعله لا يؤثر وإضلاله لا يكون لمن قدرت له الهداية فقد ذهب علمه باطلاً.
رضي إبليس بالخساسة: ثم رضي لخساسة همته بمدة يسيرة يعلم سرعة انقضائها فقال: " انظرني إلى يوم يبعثون " وصارت لذته في إيقاع العاصي بالذنب كأنه يغيظ بذلك ولجهله بالحق أنه يتأثر ثم نسي قرب عقابه الدائم فلا غفلة كغفلته ولا جهالة كجهالته وما أعجب قول القائل في إبليس: الرجز: عجبت من إبليس في نخوته
وخبث ما أظهر من نيته
تاه على آدم في سجدةته
وصار****اً لذريته
¥