تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[07 - 03 - 2008, 07:43 م]ـ

أبو الفضل الوليد يرثي أمه في قصيدة من أروع قصائدة

البحر الطويل

أفيقي فردّي بسمةً وسلاما = نسيمُ الحمى في الوردِ شقَّ كماما

ألا طالما بكّرتِ للشّغلِ والتُّقى= صلاةٌ وتدبيرٌ كذلكَ داما

أطلِّي فما أحبَبتِهِ لكِ باسمٌ = ولم يدرِ أن جاءَ النهارُ خِتاما

خفيفٌ وتغريدٌ وشمسٌ وخضرةٌ = وزهرٌ وأفنانٌ تشوقُ رهاما

لقد كنتِ تهوينَ الربيعَ أنيسةً = فلا كانَ فصلٌ إذ رَحَلتِ أقاما

أبعد اشتياقِ النورِ والعطرِ والصَّبا = تحلّينَ رَمساً ضاقَ عنكِ وضاما

فوا ضيقَ صَدري حين بدّلت فيه من = نسيمٍ ونورٍ حبسةً وظلاما

عزيزٌ علينا أن تموتي وفَصلُنا = ربيعٌ يُميطُ العيدُ فيه لِثاما

يزادُ معَ العمرِ الحبيبِ محبَّةً = وما عرفَ الحبُّ الشريفُ سآما

نقهتِ فأمّلنا شفاءً وصحةً = فأعقَبنا ذاكَ الأمانُ حِماما

فما أنتِ للإيناسِ والعطفِ بيننا = ولا نحنُ نرجو مُلتقى ولزاما

هنيئاً لأبناءٍ لهم أُمهاتُهم = وفي ذمةِ الرحمنِ دمعُ يَتامى

حكَيتُ يتيماً في الكهولةِ ما له = قوىً بل رضيعاً لا يُطيقُ فطاما

فلم ينقطع دَمعي وذكركِ ساعةً = بدارٍ تَغشَّت ظلمةً وجهاما

وكم لاحَ فيها وَجهكِ الحلُو كوكباً = وفاضَ الحديثُ العذبُ منك جماما

فأصغي وأرنو حيثُ كنتِ فلا أرى = وأسمعُ ما قلبي استَحبَّ وراما

فيا حبّذا صوتٌ رخيمٌ وطلعةٌ = وقورٌ وما للبيتِ كانَ دعاما

حياتُك كانت لي نعيماً وغبطةً = وموتُك عادَ الصدرُ منهُ حطاما

فما كان أغناني عن الحبّ والأسى = هما عذَّباني منذ كنتُ غُلاما

رفيقينِ كانا فالجوَى يصحبُ الهوى = وقد حملا سمّاً لنا ومداما

فلا صبر لي يا أُمّ عنكِ فإن يَكُن = لكِ الصّبرُ عنّي قد رضيتُ تماما

كفاكِ الذي عانيتِ ستينَ حجَّةَ = فلا داءَ بعدَ اليومِ حلَّ عقاما

سهدتِ طويلاً ثم نمتِ وهكذا = شكَوتِ سهاداً فاشتكيتُ مناما

إذن فاستريحي في ضريحٍ مقدَّسٍ = تباركَ لما ضمَّ منكِ عظاما

ليهنئكِ يا أمّاه نومُكِ في الضُّحى = ترينَ حقولاً أنضرت وأكاما

فميتَتُكِ الحُسنى على النورِ نعمةٌ = وحولكِ قد جلَّى الصباحُ قتاما

إلى مَطلعِ الأنوار طِيري خفيفةً = فلا أُفقَ في تلك المنازلِ غاما

ولا جسمَ منهوكٌ ولا صدرَ ضيِّقٌ = ولا قلبَ مصدوعٌ يعلُّ سماما

لَنحنُ بنو البؤسى على الفقرِ والغِنى = وُلِدنا لكي نَلقى الخطوب جساما

همومٌ وأمراضٌ وموتٌ وحسرةٌ = فنفرحُ يوماً ثم نحزنُ عاما

تعاودُ تذكاراتُكِ النفسَ كلما = نظرتُ إِلى اللآثارِ منك ركاما

أحبُّ الذي أحببتهِ باكياً له = وروحُك في رُوحي تُثِيرُ ضِراما

وأُعرِضُ عما فيهِ لهوٌ ولذةٌ = ويخشى ضَميري في السلوّ ملاما

بكيتِ لأجلي في الحياةِ وإنَّني = أَفيكِ من الدّمع الصفيّ سجاما

وما كنتُ في دَمعي وشعري مكافئاً = فأطوادُنا تحني لفَضلِكِ هاما

أنا الولدُ البرُّ الذي قد عَرفتِه = يُجِلُّ كريماتٍ وَلدنَ كراما

ألم تَعهديني كلَّ صبحٍ وليلةٍ = لديكِ قعوداً أشتهي وقياما

نثرتُ عليكِ الزهرَ والدمعَ والحَشى = وأوشكتُ أن أقضي شجىً وهياما

وإني لراضٍ منكِ بالطيفِ والشّذا = فلا تحرميني نفحةً ولماما

يرى البعضُ من أهلِ المقابرِ وحشةً = ومنكِ أرى لي بهجةً وسلاما

سأحيا بذكراكِ التي هي كلُّها = فضائلُ تبقى إن غدوتِ رماما

لئن كان للأرواحِ نجوى صبابةٍ = فأشباحُنا لا تستطيعُ كلاما

وفي الصّمتِ ما فيه من الشَّوقِ والجوى = حللت نجوماً أو حللتِ رجاما

إذا زرتِني بالرّوحِ يا أُمِّ نبِّهي = بهينَمةٍ منّي تهزُّ قواما

كما رقتِ الورقاءُ أو هفَّتِ الصَّبا = فأعلمُ أني قد بَلغتُ مراما

وإن لم يكن بعد المماتِ تعاطفٌ = رحمتُ هجوداً يَعشقونَ نياما

رأى الناسُ منكِ الخيرَ والحزَم والنُّهى = وما وَجَدُوا بينَ المحامدِ ذاما

هي المرأةُ الفُضلى يَقولونَ كلما = ذُكِرتِ وقد أعلى الصلاحُ مقاما

وفي ذاكَ فخرٌ لا عزاءٌ فإنّهُ = لحمدٌ يمرُّ الذكرُ فيهِ حُساما

سَلَكتِ سبيلَ الصالحاتِ وكنتِ لي = معلمةً تَبغي هُدى ونِظاما

فلي خيرُ إرثِ من فضائلَ جمَّةٍ = ومن موهباتٍ كنَّ فيكِ عِظاما

لكِ اللهُ يا أُمّاهُ أنتِ شهيدةٌ = تهالكُها كانت تراهُ ذماما

فأدمعَ عَينَيها وأدمى فؤادَها = شعورٌ كما ترمي القسيُّ سِهاما

أطيّبَةَ الآباءِ والأمَّهاتِ هَل = من الطّيبِ إِلا الطّيبُ طبتِ مقاما

ستلقينَ خالاتي الحسانَ فسلّمي = على أخواتٍ يَستَطِرنَ حَماما

ذوَيتُنَّ في ظلّ الخدورِ كما ذوَت = زنابقُ في ظلِّ الغياضِ أواما

كذا ذبلت قبلَ الأوان ولم يكن = لغيرِ نعيمٍ مَيلُها ونعامى

فنعمَ المحباتُ اللواتي إِلى الرَّدى = تَوالينَ يحسبنَ الحياةَ حراما

سلامٌ على جسمٍ طَهورٍ منزَّهٍ = تهدَّمَ همّاً ثمّ ذابَ سقاما

به حفَّتِ الأملاكُ حياً وميِّتاً = على طول ما صلّى وعفَّ وصاما

سلامٌ على قبرٍ غدا طيّبَ الثَّرى = سأبكي وأستبكي عليهِ غماما

وأنشقُ منهُ نفحةً ملكيَّةً = وألثمُ لحداً فوقَه ورغاما

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير