فقاتلهم علي رضي الله عنه بالنهروان مقاتلة شديدة فما افلت منهم إلا أقل من عشرة وما قتل من السلمين إلا أقل من عشرة فانهزم اثنان منهم إلى عمان واثنان إلى كرمان واثنان إلى سجستان واثنان إلى الجزيرة وواحد إلى تل مورون باليمن.
وظهرت بدع الخوارج في هذه المواضع منهم وبقيت إلى اليوم.
أول من بويع من الخوارج بالإمامة: عبد الله بن وهب الراسي في منزل زيد بن حصين بايعه: عبد الله بن الكواء وعروة بن جرير ويزيد ابن عاصم المحاربي وجماعة معهم.
وكان يمتنع عليهم تحرجاً ويستقبلهم ويومئ إلى غيره تحرزاً فلم يقنعوا فلا به وكان يوصف برأي ونجدة فتبرأ من الحكمين وممن رضي بقولهما وصوب أمرهما.
وأكفروا أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه وقالوا: إنه ترك حكم الله وحكم الرجال.
وقيل: إن أول من تلفظ بهذا رجل من بني سعد بن زيد بن مناة بن تميم يقال له: الحجاج بن عبيد الله يلقب بالبرك وهو الذي ضرب معاوية على إليته لما سمع بذكر الحكمين وقال: أتحكم في دين الله لا حكم إلا لله فلنحكم بما حكم الله في القرآن به فسمعها رجل فقال: طعن والله فأنفذ! فسموا: المحكمة بذلك.
ولما سمع أمير المؤمنين علي رضي الله عنه هذه الكلمة قال كلمة عدل أريد بها جور إنما يقولون لا إمارة ولابد من إمارة بر أو فاجر.
ويقال: إن أول سيف سل من سيوف الخوارج سيف: عروة بن أذينة وذلك أنه أقبل على الأشعث ابن قيس فقال: ما هذه الدنية يا أشعث وما هذا التحكيم أشرط أحدكم أوثق من شرط الله تعالى! ثم شهر السيف والأشعث مولي فضرب به عجز البغلة فشبت البغلة فنفرت اليمانية فلما رأى ذلك الأحنف: مشى هو وأصحابه إلى الأشعث فسألوه الصفح ففعل.
وعروة بن أذينة نجا بعد ذلك من حرب النهران وبقي إلى أيام معاوية ثم أتى إلى زياد بن أبيه ومعه مولى له فسأله زياد عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال فيهما خيراً وسأله عن عثمان فقال: كنت أوالي عثمان على أحواله في خلافته ست سنين ثم تبرأت منه بعد ذلك للأحداث التي أحدثها وشهد عليه بالكفر وسأله عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فقال: كنت أتولاه إلى أن حكم الحكمين ثم تبرأت منه بعد ذلك وشهد عليه بالكفر وسأله عن معاوية فسبه سباً قبيحاً ثم سأله عن نفسه فقال: أولك لريبة وآخرك لدعوة وأنت فيما بينهما عاص ربك فأمر زياد بضرب عنقه.
ثم دعا مولاه فقال له: صف لي أمره واصدقن فقال: أأطنب أم أختصر فقال: بل اختصر فقال: ما أتيته بطعام في نهار قط ولا فرشت له فراشاً بليل قط.
هذه معاملته واجتهاده وذلك خبثه واعتقاده.
ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[10 - 04 - 2008, 07:26 م]ـ
الأزارقة باختصار
الأزارقة
أصحاب أبي رشد نافع بن الأزرق الذين خرجوا مع نافع من الصرة إلى الأهواز فغلبوا عليها وعلى كورها وما وراءها من بلدان: فارس وكرمان في أيام عبد الله بن الزبير وقتلوا عماله فيها بهذه النواحي.
وكان مع نافع من أمراء الخوارج: عطية بن الأسود الحنفي وعبد الله بن ماخون وأخواه عثمان والزبير وعمر ابن عمير العنبري وقطري بن الفجاءة المازني وعبيدة بن هلال اليشكري وأخوه محرز بن هلال وصخر بن حبيب التيمي وصالح بن مخراق العبدي وعبد ربه الكبير وعبد ربه الصغير.
في زهاء ثلاثين ألف فارس ممن يرى رأيهم وينخرط في سلكهم.
فأنفذ إليهم عبد الله بن الحرث بن نوفل النوفلي بصاحب جيشه: مسلم بن عبيس بن كريز ابن حبيب فقتله الخوارج وهزموا أصحابه.
فأخرج إليهم أيضاً عثمان بن عبد الله ابن معمر التميميح فهزموه.
فأخرج إليهم حارثة بن بدر العتابي في جيش كثيف فهزموه وخشي أهل البصرة على أنفسهم وبلدهم من الخوارج.
فأخرج إليهم المهلب بن أبي صفرة فبقي في حرب الأزارقة تسع عشرة سنة إلى أن فرغ من أمرهم في أيام الحجاج ومات نافع قبل وقائع المهلب مع الأزارقة وبايعوا بعده قطري بن الفجاءة المازنين وسموه: أمير المؤمنين.
وبدع الأزارقة ثمانية:
إحداهما: أنه أكفر علياً رضي الله عنه وقال: إن الله أنزل في شأنه: " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام " وصوب: عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله وقال: إن الله تعالى أنزل في شأنه: " ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله ".
وقال عمران بن حطان وهو ك مفتي الخوارج وزاهدها وشاعرها الأكبر في ضربة ابن ملجم لعنه الله لعلي رضي الله عنه: يا ضربة من منيب ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره يوماً فأحسبه أفى البرية عند الله ميزانا وعلى هذه البدعة مضت الأزارقة وزادوا عليه تكفير: عثمان وطلحة والزبير وعائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم وسائر المسلمين معهم وتخليدهم في النار جميعاً.
والثانية: أنه أكفر القعدة وهو أول من أظهر البراءة من القعدة عن القتال وإن كان موافقاً له على دينه وأكفر من لم يهاجر غليه.
والثالثة: إباحته قتل الأطفال المخالفين والنسوان منهم.
والرابعة: إسقاطه الرجم عن الزاني إذ ليس في القرآن ذكره وإسقاطه حد القذف عمن قذف المحصنين من الرجال مع وجوب الحد على قاذف المحصنات من النساء.
والخامسة: حكمه بأن أطفال المشركين في النار مع آبائهم.
والسادسة: أن التقية غير جائزة في قول ولا عمل.
والسابعة: تجويزه أن يبعث الله تعالى نبياً يعلم أنه يكفر بعد نبوته أو كان كافراً قبل البعثة.
والكبائر والصغائر: إذا كانت بمثابة عنده فهي كفر.
والثامنة: اجتمعت الأزارقة على أن من ارتكب كبيرة من الكبائر كفر كفر ملة خرج به عن الإسلام جملة ويكون مخلداً في النار مع سائر الكفار واستدلوا بكفر إبليس وقالوا: ما ارتكب إلا كبيرة حيث أمر بالسجود لآدم عليه السلام فامتنع وإلا فهو عارف بوحدانية الله تعالى.
المصدر: الملل والنجل ... لـ محمد بن عبدالكريم أبي بكر أحمد الشهرستاني
¥