ـ[الدكتور مروان]ــــــــ[30 - 04 - 2008, 05:39 م]ـ
و"المجنون": اسمه قيس بن معاذ، ويقال قيس بن الملّوح، أحد بني جعدة ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة؛ ويقال بل هو من بني عقيل "بالتصغير" ابن كعب بن ربيعة.
وهو من أشعر الناس، على أنّهم قد نسبوا إليه شعراً كثيراً رقيقاً يشبه شعره، كقول أبي صخر الهذليّ: "الطويل"
فيا هجر ليلى قد بلغت به المدى = وزدت على ما لم يكن بلغ الهجر
ويا حبّها زدني جوىً كلّ ليلةٍ = ويا سلوة العشّاق موعدك الحشر
وقال الجاحظ:
ما ترك الناس شعراً مجهولاً لقائل فيه ذكر ليلى إلاّ نسبوه إلى المجنون، ولا فيه لبنى إلاّ نسبوه لقيس بن ذريح.
(خزانة الأدب؛ لعبد القادر البغداديّ)
ـ[الدكتور مروان]ــــــــ[30 - 04 - 2008, 05:43 م]ـ
وقال صاحب خزانة الأدب:
وفي الأغاني: اختلف في وجوده: فذهب قومٌ إلى أنه مستعار لا حقيقة له، وليس له في بني عامر أصل ولا نسب.
وقال الأصمعيّ: رجلان ما عرفا في الدنيا إلاّ بالاسم: مجنون بني عامر، وابن القرّيّة، وإنّما وضعهما الرواة. قيل له: فمن قال هذه الأشعار المنسوبة إليه!!؟ قال فتىً من بني مروان، كان يهوى امرأةً منهم فقال فيها الشعر، وخاف الظهور فنسبه إلى المجنون، وعمل له أخباراً وأضاف إليها ذلك، فحمله الناس وزادوا فيه.
وقال الذهبيّ في "تاريخ الإسلام" انكر بعض الناس ليلى والمجنون؛ وهذا دفعٌ بالصدر، فليس من لا يعلم حجّة على من يعلم، ولا المثبت كالنافي.
وعلى القول بوجوده اختلف في اسمه: فقيل مهدي، وقيل قيس بن معاذ، وقيل غير ذلك.
والأصحّ أنّه قيس بن الملّوح بن مزاحم بن قيس بن عديّ بن ربيعة بن جعدة بن كعب ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة؛ وصاحبته ليلى بنت مهديّ، أم مالك العامريّة.
ـ[الدكتور مروان]ــــــــ[30 - 04 - 2008, 05:49 م]ـ
قال ابن قتيبة:
وكان المجنون وليلى "صاحبته" يرعيان البهم وهما صبيّان، فعلقها علاقة الصبيّ وقال: "الطويل"
تعلّقت ليلى وهي غرّ صغيرة = ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت أنّنا = صغيران لم نكبر ولم تكبر البهم
ثم نشأ وكان يجلس معها، ويتحدّث في ناس من قومه، وكان ظريفاً جميلاً روايةً للشعر حلو الحديث، فكانت تعرض عنه وتقبل بالحديث على غيره، حتّى شقّ ذلك عليه وعرفته فقالت:
كلانا مظهر للنّاس بغضاً = وكلّ عند صاحبه مكين
تبلّغنا العيون بما رأينا = وفي القلبين ثم هوىً دفين
ثم تمادى به الأمر، حتّى ذهب عقله، وهام مع الوحش، وصار لا يلبس ثوباً إلاّ خرّقه، ولا يعقل إلاّ أن تذكر له ليلى، فإذا ذكرت عقل واجاب عن كلّ ما يسأل عنه.
ثم إنّ قوم ليلى شكوا منه للسلطان، فأهدر دمه، وترحّل قومها من تلك الناحية، فأشرف فرأى ديارهم بلاقع، فقصد منزلها، وألصق صدره به، وجعل يمرّغ خديّه على التراب ويقول الأشعار. ثم إنّ أباه قيّده؛ فجعل يأكل لحم ذراعيه، ويضرب نفسه، ويعض لسانه وشفتيه، فأطلقه.
وروي أنّ نوفل بن مساحق لّما جاء ساعياً على صدقات بني عامر، رأى المجنون يلعب بالتّراب وهو عريان، فقال لغلام له: خذ ثوباً وألقه عليه. فقالوا له: ألا تعرفه? قال: لا. قالوا: هذا المجنون قيس بن الملّوح؛ كلّمه فجعل يجيبه بغير ما يسأله عنه؛ فقالوا له: إن أردت أن يكلّمك كلاماً صحيحاً فاذكر له ليلى. فقال: أتحبّ ليلى? فأقبل عليه يحدّثه عنها وينشده شعره فيها، فقال له: أتحبّ أن أزوّجكما? قال: وتفعل ذاك? قال: نعم، اخرج معي حتّى أقدم بك على قومها فأخطبها لك.
فارتحل معه ودعا له بكسوة، فلبسها وراح معه كأصحّ أصحابه، فلمّا قرب من قومها تلقّوه بالسّلاح، وقالوا: والله "يا ابن مساحق" لا يدخل المجنون لنا بيتاً أو نقتل عن آخرنا، وقد أهدر لنا السّلطان دمه! فأقبل بهم وأدبر، فأبوا عليه، فقال له: انصرف. فقال: أين ما وعدت? قال: رجوعك بالخيبة أهون عليّ من سفك الدّماء.
ثم هام على وجهه في الفلوات، وأنس بالوحوش فكان لا يأكل إلاّ ما تنبت الأرض من البقول، ولا يشرب إلاّ مع الظّباء، وطال شعر جسده ورأسه، وألفته الوحوش، وكان يهيم حتّى يبلغ حدود الشام، فإذا ثاب عقله سأل عن نجد فيقال: وانى نجد! فيدلّونه على طريق نجد فيتوجّه نحوه.
وكان بأهله يأتونه بالطّعام والشراب، فربّما أكل منه. وفي بعض الأيّام أتوه بالطعّام فلم يروه، فانطلقوا يفتشونه فرأوه ملقىً بين الأحجار ميتاً، فاحتملوه إلى الحيّ فغسّلوه ودفنوه، وكثر بكاء النساء عليه. وكان في مدّة ابن الزّبير.
وقد اطال ترجمته جداً ألو الفرج الأصبهانيّ في "الأغاني".
ـ[الدكتور مروان]ــــــــ[30 - 04 - 2008, 06:08 م]ـ
وفي خزانة الأدب؛ لعبد القادر البغداديّ:
وكانت ليلى تحبّه أيضاً محبّة شديدة.
حكى ابن قتيبة، قال:
خرج رجلٌ من بني مرّة إلى ناحية الشام والحجاز، مما يلي تيماء "والسراة بأرض نجد"، بغية له، فإذا هو بخيمة قد رفعت له عظيمةٍ "وقد أصابه المطر" فعدل إليها، فتنحنح فإذا أمرٌ كثير عظيم، فقالت: سلوا هذا الرّاكب من أين أقبل? فقال: من ناحية نجد.
فقالت: يا عبد الله، وأيّ بلاد نجد وطئت? قال: كلّها. قالت: فيمن نزلت منهم? قال: بني عامر.
فتنفست الصّعداء ثم قالت: بأيّ بني عامر? قال: ببني الحريش. قالت: فهل سمعت بذكر فتىً منهم يقال له قيسٌ ويلقب بالمجنون? قال: إي والله، قد أتيته، فرأيته يهيم مع الوجش، ولا يعقل شيئاً حتّى تذكر له ليلى، فيبكي وينشد أشعاراً يقولها فيها. فرفعت السّتر بيني وبينها، فإذا شقّة قمرٍ لم تر عيني مثلها "قط"، فلم تزل تبكي وتنتحب حتّى ظننت أنّ قلبها قد تصدّع، فقلت:
يا أمة الله اتّقي الله، فو الله ما قلت بأساً!!!
فمكثت "طويلاً" على تلك الحال من البكاء والنحيب،
ثم قالت: "الطويل"
ألا ليت شعري والخطوب كثيرةٌ = متى رحل قيسٍ مستقلٌّ فراجع
بنفسي من لا يستقل برحله = ومن هو إن لم يحفظ الله ضائع
ثم بكت حتّى غشي عليها، فلمّا أفاقت قلت: من أنت يا أمة الله? قال:
أنا ليلى المشؤومة عليه غير المواسية له.
قال: فو الله ما رأيت مثل حزنها عليه، ولا مثل جزعها.
ولا مثل وجدها!!!.
¥