وأشهد، عند الله، أني أحبها = فهذا لها عندي، فما عندها ليا
قال:
وسرق هذا المعنى جميل بن عبد الله بن معمر فقال:
ألا ليتني أعمى، أصم، تقودني = بثينة، لا يخفى علَّ كلامها
فهؤلاء قد زعموا أن كلام النساء ينجلو العمى، ويسمع الصم ويحيي الميت، ويدفع الموات وينشر القبور من قبل أوان النشور، وقد قال بعض الأعراب:
إن من كلام النساء ما يقوم مقام الماء فيروي من الظماء.
وقال آخر:
حلاوة نغم النساء في الآذان ألذ من موقع الماء العذب من العطشان. وقال القطامي في مثل ذلك:
وفي الخدور غمامات برقن لنا، = حتى تصيدنا من كل مصطاد
قتلنا بحديث ليس يعلمه = من يتيقن ولا مكنونه بادي
وهن يندبن من قول يُصبن به = مواقع الماء من ذي الغلة الصادي
وعمر بن أبي ربيعة يقول في سكينة ابنة الحسين بن علي رضي الله عنهما:
أسكين ما ماء الفرات وبرده = مني على ظمأٍ وحب شراب
بأحب منك، وإن نأيت، وقل ما = ترعى النساء أمانة الغياب
ولبعض المتأدبين في مثله:
والله ما شربة من ماء غادية، = إذا ظمئت، وكرب الموت يغشاني
ألذ من شربة من فيك أجرعها، = تلك الشفاء لقلب الهائم العاني
وروي أن عمر بن أبي ربيعة قال:
أتتني امرأتان في أيام غزلي، فجعلت إحداهما تسرّ إلي سراً، والأخرى تعضني، فما شعرت بعضة هذه من لذة سراره هذه.
ودخل كثير على عبد الملك بن مروان فقال:
يا كثير حدثني ببعض أخبار جميل! فقال:
نعم، يا أمير المؤمنين، لقيت جميلاً ذات يوم، فقال: هل لك في المسير معي نحو بثينة? قلت: نعم، فسايرته، حتى دنا من موضعها، فقال: تصير إليها، فتعلمها بمكاني، فمضيت، فأعلمتها، فأقبلت في نسوة من الحي، فلما رأينه انصرفن عنها، وتنحيت عنهما، فلم يزالا من أول الليل إلى أن رهقهما الصبح قائمين في أقدامهما، فلما عزما على الافتراق قالت: ادن مني يا جميل! فدنا منها، فأسرت إليه سراً، فخر مغشياً عليه فما أيقظه إلا حر الشمس، فأفاق، وأنشأ يقول:
فما ماء مزن من جبال منيفة، = ولا ما أكنت في معادنها النحل
بأشهى من القول الذي قلت بعدما = تمكن في حيزوم ناقتي الرحل
وقال جرير أيضاً:
ولقد رمينك يوم رحن، بأعين، = يقتلن من خلل الستور، سواجي
وبمنطق شغف الفؤاد كأنه = عسل يجدن به بغير مزاج
وقال الفرزدق:
إذا هن ساقطن الحديث، كأنه = جنى النحل، أو أبكار كرم تقطف
تراهن من فرط الحياء كأنها = مراض سلال، أو هوى لك نزف
وليس يمكن أن يكون ذلك عندهم كذلك.
وقد روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، من وجوه شتى بأحاديث صحت عن الثقات، ونقلت عن الرواة: إن حبك للشيء يعمي ويصم.
وليس بعجب ما قال المجنون وأشباهه من غلبة العشق عليهم، وقد قال غيره أعظم مما قاله، وأقطع، وأجل.
ولقد رأينا وسمعنا وخُبرنا أن منهم من قتل نفسه غرقاً، وذبحاً، وخنقاً،
كل ذلك أسفاً وحسرة وتلهفاً.
(الموشى؛ للوشّاء)
ـ[الباحثة عن الحقيقة]ــــــــ[07 - 05 - 2008, 01:01 ص]ـ
بوركت جهودكما أستاذيَّ الفاضلين
فالعمل ينضح بما فيه من نقد واختيار ومقارنة .. جهد أدبي متميز وفقكما الله
ـ[الدكتور مروان]ــــــــ[07 - 05 - 2008, 06:20 ص]ـ
بوركت جهودكما أستاذيَّ الفاضلين
فالعمل ينضح بما فيه من نقد واختيار ومقارنة .. جهد أدبي متميز وفقكما الله
مرحبا بك
وأهلا وسهلا
وبارك الله فيك
وشكرا لك
ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[07 - 05 - 2008, 11:39 ص]ـ
اجتاز رجل بمجنون بني عامر، وهو يخوض سور الحوض، فقال له: ما بك يا فتى؟ ولم
يعرفه، فأنشأ يقول:
بي اليأس، أو داء الهيام أصابني، = فإياك عني لا يكن بك ما بياقال أبو الطيب: الهيام داء يأخذ الإبل، وتشرب الماء ولا تروى. ويقال للإبل التي يُصيبها
ذلك الهيم. قال الله جل ثناؤه: فشاربون شرب الهيم، فعرفه، فقال: أعاشق أنت؟ قال:
نعم، وأنشأ يقول:
إذا أنت لم تعشق فتصبح هائماً، = ولم تك معشوقاً، فأنت حمار
وقال:
الحب أول ما يكون لجاجة، = تأتي به، وتسوقه الأقدار
المصدر:
الموشى للوشاء
ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[07 - 05 - 2008, 11:42 ص]ـ
قال الأصمعي: حدثت إن رهط قيس المجنون قالوا لأبيه اطلب لنا طبيباً لعله يطلعنا على
ما به، فأحضر إليهم طبيباً، فعالجه فلما أعياه خلاه، فأنشأ قيس يقول:
ألا يا طبيب النفس أنت طبيبها = فرفقا بنفس قد جفاها حبيبها
¥