تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سلَّم الله أناملكما أستاذينا الفاضلين: الدكتور مروان , رسالة الغفران

..

هذه الصفحات مرجع "فاخر " مُنتَقَى بعناية شديدة , وذائقة رشيدة ..

فدام عطاؤكم ثريا فاخرا ..

شكرا على مرورك العبق ...

دائما ما تتمزين في طرحك المشجع، وتشعلين روح العمل في قلوبنا ...

دمت متميزة يا اختاه ...

لله درك يا دكتور، افتقدتك يا استاذي ...

بانتظار طلتك البهية

ـ[الدكتور مروان]ــــــــ[07 - 05 - 2008, 12:30 ص]ـ

مجنون بني عامر وليلاه:

وبلغ العشق أيضاً من مجنون بني عامر أن أخرجه إلى الوسواس والهيمان وذهاب العقل، وكثرة الهذيان، وهبوط الأودية، وصعود الجبال، والوطء على العوسج وحرارة الرمال، وتمزيق الثياب واللعب بالتراب، والرمي بالأحجار، والتفرد بالصحاري والاستيحاش من الناس، والاستئناس بالوحش حتى كان لا يعقل عقلاً، فإذا ذكرت ليلة ثاب إليه عقله، وأفاق من غشيته وتجلت عنه غمرته، وحدثهم عنها أصحَّ الرجال عقلاً، وأخلصهم ذهناً، لا ينكرون من حديثه شيئاً، فإذا قطع ذكرها رجع إلى وسواسه وهذيانه وتماديه في ذهاب عقله.

وقد حكي عنه في أول ابتداء وسواسه أنه قيل لأبيه: لو أخرجت قيساً، أيام الموسم، وأمرته بأن يتعلق بأستار الكعبة، ويقول:

اللهم أرحني من حب ليلى، لعل الله كان يريحه من ذلك، ففعل. فلما طاف بالبيت أمره، فتعلق بأستار الكعبة، وقال: قل اللهم أرحني من حب ليلى. فقال: اللهم زدني لليلى حباً إلى حبها، وأرني وجهها في خير وعافية! فضربه أبوه، فأنشأ يقول:

ذكرتك، والحجيج له ضجيج = بمكة والقلوب لها وجيب

فقلت، ونحن في بلد حرام، = به لله أخلصت القلوب:

أتوب إليك، يا رحمن، مما = عملت، فقد تظاهرت الذنوب

وأما من هوى ليلى وتركي = زيارتها، فإني لا أتوب

وكيف، وعندها قلبي رهين، = أتوب إليك منها، أو أنيب

وقال أيضاً:

دعا المحرمون الله يستغفرونه، = بمكة شعثاً، كي تمحى ذنوبها

وقلت لرب الناس: أول سؤلتي = لنفسي ليلى، ثم أنت حسيبها

فإن أُعط ليلى في حياتي لا يتب = إلى الله عبد توبة لا أتوبها

وقال أيضاً:

فلو أن ما بي بالحصى فلق الحصى، = وبالريح لم يسمع لهن هبوب

ولو أنني أستغفر الله كلما = ذكرتك لم يكتب عليّ ذنوب

وبات في بعض ليالي حجه تحت شجرة، فانتبه بنوح حمامة فأنشأ يقول:

لقد هتفت في جنح ليل حمامة = على فنن تدعو، وإني لنائم

فقلت اعتذاراً عند ذاك، وإنني = لقلبي، فيما قد رأيت، للائم

أأزعم أني عاشق ذو صبابة بليلى،= ولا أبكي، ويبكي الحمائم

كذبت، وبيت الله، لو كنت عاشقاً = لما سبقتني بالبكاء الحمائم

وسمع هاتفاً من الليل، وهو ينادي:

يا ليلى، فخرّ مغشياً عليه، ثم أفاق، وهو يقول:

وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى = فهيج أحزان الفؤاد، وما يدري

دعا باسم ليلى، أسخن الله عينه، = وليلى بأرض عنه نازحة قفر

عرضت على قلبي الغراء، فقال لي: = من الآن فاجزع لا أعزك من صبر

إذا بان من تهوى وأسلمك النوى، = ففرقة من تهوى أحر من الجمر

وقال أيضاً:

فلبيك من داع دعا، ولو أنه = صدى بين أحجار لظل يجيبها

وقد أحسن، إذ حكم على صدى في مسه بالإجابة لدعوتها والمبادرة إلى تلبيتها، وهكذا فلتكن غلبة العشق، وصدق الهوى.

ومثل ذلك قوله أيضاً:

لمست ثيابي، إن قدرت، ثيابها، = ولم ينهني عن مسهنّ حرامها

ولو شهدتني، حين تحضر ميتتي، = جلا سكرات الموت عني كلامها

ومثل ذلك قول الآخر:

ولو كلمتنا بين زمزم والصفا،= وبين حطيم البيت أصبى كلامها

ولو مكثت بعد التطوع ساعة = بمكة ولاها الصلاة إمامها

ولو نطقت، والموت يجري ظلامه، = لجلى ظلام الموت عني ابتسامها

ومنه قول جميل بن معمر:

حلفت يميناً، يا بثينة، صادقاً، = فإن كنت فيها كاذباً لعميت

حلفت لها بالبدن تدمى نحورها، = لقد شقيت نفسي بكم وعنيت

فلو أن جلداً غير جلدك مسّني،= وباشرني دون الشعار شريت

ولو أن داع منك يدعو جنازتي، = وكنت على أيدي الرجال حييت

ومثله قول الأعشى:

عهدي بها في الحي قد سُربلت = صفراء مثل المهرة الضامر

لو أسندت ميتاً إلى نحرها = عاش، ولم ينقل إلى قابر

حتى يقول الناس مما رأوا: = يا عجباً للميت الناشر

قد حجم الثدي على نحرها، = في مشرق ذي بهجة زاهر

ومثله قول المجنون أيضاً:

ولو كنت أعمى أخبط الأرض بالعصا = أصمَّ، فنادتني أجبت المناديا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير