وأما من عشق من الشعراء فما يحصرهم عدد، ولا يحصيهم أحد.
وقد عشق أكثر العرب، بل كلهم قد عشق، فمن المذكورين منهم المشتهرين بالصبوة والغزل:
فقيس مجنون بني عامر عشق ليلى، وقيس بن ذريح عشق لبنى، وتوبة بن الحمير عشق ليلى الأخيلية، وكثير عشق عزة، وجميل بن معمر عشق بثينة، والمؤمل عشق الذَّلفاء، ومرقش عشق أسماء، ومرقش الأصغر عشق فاطمة بنت المنذر، وعروة بن حزام عشق عفراء، وعمرو بن عجلان عشق هند، وعلي بن أديم عشق منهلة، والمهذب عشق لذة، وذو الرمة عشق مية، وقابوس عشق منية، والمخبل السعدي عشق الميلاء، وحاتم طيء عشق ماوية، ووضاح اليمن عشق أم البنين، والغمر بن ضرار عشق جُمل، والنمر بن تولب عشق حمزة، وبدر عشق نعم، وشبيل عشق فالون، وبشر عشق هند، وعمرو عشق دعد، وعمر بن أبي ربيعة عشق الثريا، والأحوص عشق سلامة، وأسعد بن عمرو عشق ليلى بنت صيفي، ونصيب عشق زينب، وسحيم عبد بني الحسحاس عشق عميرة، وعبيد الله بن قيس عشق كثيرة، وأبو العتاهية عشق عتبة، والعباس بن الأحنف عشق فوز، وأبو الشيص عشق أمامة.
فهؤلاء قليل من كثير ممن عشق، وإنما اقتصرنا على ذكر بعضهم دون بعض ليقل به الخطاب ويحسن به الكتاب، ولكل واحد منهم سبب في حبه، وحديث في عشقه يطول شرحه، ويكثر وصفه، ونحن مفردون لأهل العشق كتاباً نذكر فيه أخبار المتيمين، وملح المتعشقين، وأشعار المتغزلين مع جملة من صفات الهوى في كتاب المقتفى، إن شاء الله تعالى.
وقد شهر أيضاً بالصبوة والغزل جماعة من شعراء العرب، منهم: أبو كثير الهذلي، وأبو صخر الهذلي، وأبو دهبل الجمحي، وريسان العذري، والصمة بن عبد الله القشيري، وابن أذينة، وابن الدمينة، وابن الطثرية، وابن ميادة، والحسين بن مطير إلى آخرين، لا يحصيهم العدد، ولا يبلغهم الأمد، وقد ضرب في عروة بعشقه المثل، لأنه كان أطولهم صبوة، وأكثرهم في العشق كثرة.
أنشدني أحمد بن يحيى لأبي وجزة السعدي:
وفي عروة العذري، إن مت، أسوة، = وعمرو بن عجلان الذي فتنت هند
وبي مثل ما ماتا به غير أنني = إلى أجل لم يأتني وقته بعد
هل الحب إلا عبرة بعد زفرة، = وحرٌّ على الأحشاء ليس له برد
وفيض دموع العين بالليل كلما = بدا علمٌ من أرضكم لم يكن يبدو
وقال كثير:
وأصبحت مما أحدث الدهر خاشعاً، = وكنت لريب الدهر لا أتخشع
وعروة لم يلق الذي قد لقيته = بعفراء، والنهدي ما أتفجع
وقال جرير:
هل أنت شافية قلباً يهيم بكم، = لم يلق عروة من عفراء ما وجدا
وقال أيضاً:
بالعنبرية والنحيت أوانس = قدن الهوى بتخلب وعذام
هل لا نهينك أن قتلن مرقشاً = أم ما صنعن بعروة بن حزام
وقال الأحوص الأنصاري:
لا شك أن الذي بي سوف يقتلني، = إن كان أهلك حب قبله أحدا
أحببتها، فوتغت الناس كلهم، = يا رب لا تشفني من حبها أبدا
لو قاس عروة والنهدي وجدهما، = لكان وجدي بسعدى فوق ما وجدا
وقال أيضاً:
إذا جئت قالوا قد أتى، وتهامسوا، = كأن لم يجد فيما مضى أحد وجدي
فعروة سنَّ الحبَّ قبلي، إذ شقي = بعفراء، والنهدي مات على هند
وقال جميل بن معمر:
وما وجدت وجدي بها أم واحد، = ولا وجد النهدي وجدي على هند
ولا وجد العذري عروة، إذ قضى = كوجدي ولا من كان قبلي، ولا بعدي
على أن من قد مات صادف راحة، = وما لفؤادي من رواح ولا رشد
وقال مروان بن أبي حفصة:
أردين عروة والمرقش قبله،= وأخا بني نهد تركن قتيلا
ولقد تركن أبا ذؤيب هائماً، = ولقد قتلن كثيراً وجميلا
وتركن لابن أبي ربيعة منطقاً، = فيهن أصبح سائراً محمولا
وأنشدني عمرو بن قنان لنفسه:
إن الأولى ماتوا على دين الهوى = وجدوا المنية منهلاً معسولا
قيسٌ، وعمرو، والمرقش قبلهم، = كانوا لتنزيل الهوى تأويلا
ندبوا الطلول لأهلها، لا لأنهم = عشقوا مغاني أربع وطلولا
ولبعض المتأدبين:
يا عذولي قد هويت فكفا، = إنني بالهوى المميت رضيت
مات قيس، وعروة، وجميل = وأُراني بموتهم سأموت
وقال جميل بن معمر:
قد مات قبلي أخو نهدٍ وصاحبه = مرقش واشتفى من عروة الكمد
وكلهم كان في عشق منيته، = وقد وجدت بها فوق الذي وجدوا
إن لم تنلني بمعروف تجود به، = أو يدفع الله عني الواحد الصمد
وقد أحسنت، والله، امرأة من خثعم، إذ تقول:
فأقسم أني قد وجدت بجحوش = كما وجدت عفراء بابن حزام
فما أنا إلا مثلها، غير أنني = معلقة نفسي ليوم حمام
وأحسن الذي يقول:
عجبت لعروة العذري أضحى = أحاديثاً لقوم بعد قوم
وعروة مات موتاً مستريحاً، = وكيف بميت في كل يوم
وبلغنا أن منهم من عشق صورة في حمَّام، وخيالاً في منام، وكفاً في حائط، ومثالاً في ثوب.
والعشق ألوان وأنواع وضروب وفنون، وأمره عجيب. وقال بعض الشعراء:
أبيت كأني للكواكب عاشق، = فأكثر همي أن تزول الكواكب
عجبت لما يلقى من العشق أهله،= وفيما يلاقي العاشقون عجائب
وبلغ العشق من عروة بن حزام أن أفرده ببلائه، وعذّبه بدائه،
وآنسه بانفراده، وشرّده عن بلاده.
¥