ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[27 - 05 - 2008, 01:32 ص]ـ
قصيدة لا تخفى على احد، ولا اعلم سبب بغض الكثير لهذه القصيدة الرائعة!
الحياة
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَاةَ = فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَدَر
وَلا بُدَّ لِلَّيْلِ أنْ يَنْجَلِي = وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَنْكَسِر
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَاةِ =تَبَخَّرَ في جَوِّهَا وَانْدَثَر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْهُ الْحَيَاةُ = مِنْ صَفْعَةِ العَدَم المُنْتَصِر
كَذلِكَ قَالَتْ لِيَ الكَائِنَاتُ = وَحَدّثَني رُوحُهَا المُسْتَتِر
وَدَمدَمَتِ الرِّيحُ بَيْنَ الفِجَاجِ = وَفَوْقَ الجِبَال وَتَحْتَ الشَّجَر
إذَا مَا طَمَحْتُ إلِى غَايَةٍ = رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر
وَلَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُورَ الشِّعَابِ = وَلا كُبَّةَ اللَّهَبِ المُسْتَعِر
وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَالِ = يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَر
فَعَجَّتْ بِقَلْبِي دِمَاءُ الشَّبَابِ = وَضَجَّتْ بِصَدْرِي رِيَاحٌ أُخَر
وَأَطْرَقْتُ، أُصْغِي لِقَصْفِ الرُّعُودِ = وَعَزْفِ الرِّيَاح وَوَقْعِ المَطَر
وَقَالَتْ لِيَ الأَرْضُ - لَمَّا سَأَلْتُ: = " أَيَا أُمُّ هَلْ تَكْرَهِينَ البَشَر؟ "
"أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ = وَمَنْ يَسْتَلِذُّ رُكُوبَ الخَطَر
وأَلْعَنُ مَنْ لا يُمَاشِي الزَّمَانَ = وَيَقْنَعُ بِالعَيْشِ عَيْشِ الحَجَر
هُوَ الكَوْنُ حَيٌّ، يُحِبُّ الحَيَاةَ = وَيَحْتَقِرُ الْمَيْتَ مَهْمَا كَبُر
فَلا الأُفْقُ يَحْضُنُ مَيْتَ الطُّيُورِ = وَلا النَّحْلُ يَلْثِمُ مَيْتَ الزَّهَر
وَلَوْلا أُمُومَةُ قَلْبِي الرَّؤُوم = لَمَا ضَمَّتِ المَيْتَ تِلْكَ الحُفَر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْهُ الحَيَاةُ = مِنْ لَعْنَةِ العَدَمِ المُنْتَصِر! "
وفي لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الخَرِيفِ = مُثَقَّلَةٍ بِالأََسَى وَالضَّجَر
سَكِرْتُ بِهَا مِنْ ضِياءِ النُّجُومِ = وَغَنَّيْتُ لِلْحُزْنِ حَتَّى سَكِر
سَأَلْتُ الدُّجَى: هَلْ تُعِيدُ الْحَيَاةُ = لِمَا أَذْبَلَتْهُ رَبِيعَ العُمُر؟
فَلَمْ تَتَكَلَّمْ شِفَاهُ الظَّلامِ = وَلَمْ تَتَرَنَّمْ عَذَارَى السَّحَر
وَقَالَ لِيَ الْغَابُ في رِقَّةٍ = مُحَبَّبَةٍ مِثْلَ خَفْقِ الْوَتَر
يَجِيءُ الشِّتَاءُ، شِتَاءُ الضَّبَابِ = شِتَاءُ الثُّلُوجِ، شِتَاءُ الْمَطَر
فَيَنْطَفِىء السِّحْرُ، سِحْرُ الغُصُونِ = وَسِحْرُ الزُّهُورِ وَسِحْرُ الثَّمَر
وَسِحْرُ الْمَسَاءِ الشَّجِيِّ الوَدِيعِ = وَسِحْرُ الْمُرُوجِ الشَّهِيّ العَطِر
وَتَهْوِي الْغُصُونُ وَأَوْرَاقُهَا = وَأَزْهَارُ عَهْدٍ حَبِيبٍ نَضِر
وَتَلْهُو بِهَا الرِّيحُ في كُلِّ وَادٍ = وَيَدْفنُهَا السَّيْلُ أنَّى عَبَر
وَيَفْنَى الجَمِيعُ كَحُلْمٍ بَدِيعٍ = تَأَلَّقَ في مُهْجَةٍ وَانْدَثَر
وَتَبْقَى البُذُورُ التي حُمِّلَتْ = ذَخِيرَةَ عُمْرٍ جَمِيلٍ غَبَر
وَذِكْرَى فُصُول ٍ، وَرُؤْيَا حَيَاةٍ = وَأَشْبَاح دُنْيَا تَلاشَتْ زُمَر
مُعَانِقَةً وَهْيَ تَحْتَ الضَّبَابِ = وَتَحْتَ الثُّلُوجِ وَتَحْتَ الْمَدَر
لَطِيفَ الحَيَاةِ الذي لا يُمَلُّ = وَقَلْبَ الرَّبِيعِ الشَّذِيِّ الخَضِر
وَحَالِمَةً بِأَغَانِي الطُّيُورِ = وَعِطْرِ الزُّهُورِ وَطَعْمِ الثَّمَر
"ويًَمشيْ الزَّمانُ، فتنموْ صُروفٌ = وتذْوي صُروفٌ، وتحْيا أُخَر
وتُصبح ُ أحلامُها يَقْظةً، = مُوَشَّحةً بغُموضِ السَّحر
تُسائِلُ: أينَ ضَبابُ الصَّباحِ، = وَسِحْرُ المساءِ؟ وضوْئُ القَمر؟
وَأسْرابُ ذاكَ الفَراشِ الأنيقِ؟ = ونَحْلٌ يُغَنيْ، وغَيمٌ يَمُرّ
وأينَ الأشِعَّةُ والكائِناتُ؟ = وأينَ الحياةُ الَّتي أنْتظِر
ظمِئتُ إلى النُّور، فوقَ الغُصونِ! = ظمِئتُ إلى الظِلِّ تحْتَ الشَّجار!
ظَمِئتُ إلى النَّبْعِ، بَيْنَ المُروجِ = يُغَنّين ويّرْقُصُ فَوْقَ الزّهَر!
ظَمِئتُ إلى نَغَمَتِ الطُّيورِ، = وهَمسِ النَّسيم، ولَحْنِ المَطر!
ظَمِئتُ إلى الكونِ! أيْنَ الوُجودُ = وأنَّي أرَى العالَمَ المنتظر
هو الكَوْنُ، خَلْفَ سُباتِ الجُمود = وفي أثفُقِ اليَقَظاتِ الكُبَر"
وَمَا هُوَ إِلاَّ كَخَفْقِ الجَنَاحِ = حَتَّى نَمَا شَوْقُهَا وَانْتَصَر
فصدّعت الأرض من فوقها = وأبصرت الكون عذب الصور
وجاءَ الربيعُ بأنغامه = وأحلامهِ وصِباهُ العطِر
وقبلّها قبلاً في الشفاه = تعيد الشباب الذي قد غبر
وقالَ لَهَا: قد مُنحتِ الحياةَ = وخُلّدتِ في نسلكِ الْمُدّخر
وبارككِ النورُ فاستقبلي = شبابَ الحياةِ وخصبَ العُمر
ومن تعبدُ النورَ أحلامهُ = يباركهُ النورُ أنّى ظَهر
إليك الفضاء، إليك الضياء = إليك الثرى الحالِمِ الْمُزْدَهِر
إليك الجمال الذي لا يبيد = إليك الوجود الرحيب النضر
فميدي كما شئتِ فوق الحقول = بِحلو الثمار وغض الزهر
وناجي النسيم وناجي الغيوم = وناجي النجوم وناجي القمر
وناجي الحياة وأشواقها = وفتنة هذا الوجود الأغر
وشف الدجى عن جمال عميقٍ = يشب الخيال ويذكي الفكر
ومُدَّ عَلَى الْكَوْنِ سِحْرٌ غَرِيبٌ = يُصَرِّفُهُ سَاحِرٌ مُقْتَدِر
وَضَاءَتْ شُمُوعُ النُّجُومِ الوِضَاء = وَضَاعَ البَخُورُ، بَخُورُ الزَّهَر
وَرَفْرَفَ رُوحٌ غَرِيبُ الجَمَالِ = بِأَجْنِحَةٍ مِنْ ضِيَاءِ الْقَمَر
وَرَنَّ نَشِيدُ الْحَيَاةِ الْمُقَدَّسِ = في هَيْكَلٍ حَالِمٍ قَدْ سُحِر
وَأَعْلَنَ في الْكَوْنِ أَنَّ الطُّمُوحَ = لَهِيبُ الْحَيَاةِ وَرُوحُ الظَّفَر
إِذَا طَمَحَتْ لِلْحَيَاةِ النُّفُوسُ = فَلا بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْقَدَرْ
¥