ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[31 - 05 - 2008, 02:20 ص]ـ
قال يوسف بن الداية: كانت الشعراء تجتمع في كل يوم بباب أسماء بنت المهدي،وكان لهم مجلس يجتمع عليهم فيه اهل الادب، فكان يحضر ذلك المجلس أبو نواس، فنظر يوما إلى وصيفة قد خرجت من قصر أسماء، غلامية شاطة، عجزاء مطمومة الناهد، وعليها أقبية ومنطقة وفي رجلها نعل، فاشتد عجبه بها ومازحها فلم يزل على ذلك دهرا، إذا خرجت لحاجة إلى ما يلي باب القصر عبث بها وداعبها، وأنشدها أشعارا يخبرها فيها بحبه لها، ولا ينكر ذلك عليه أحد، لما كان معه من العبث بالناس والمجون، ولأنه لم يكن يعتد بالنساء، فقال لي يوما: امض بنا إلى باب أسماء للنظر إلى من يحضر اليوم من الشعراء، ونتعرف خبرا إن كان حدث، فمضينا فبينا نحن على باب اسماء اذا الجارية قد خرجت وعليها قباء وشي منسوج بالذهب، وعلى رأسها محبسة منسوجة بالذهب إبريسمية، وفي رجلها نعل مغشاة بديباج، وعليها منطقة ذهب مفوّقة، على زنّار حرير عريض، وقد غابت في خصرها من انهضامه، فما تكاد تبين وفي يدها قضيب خيزران تعبث به، فدهشت وكل من حضر ينظر اليها، وبهتنا إلى براعة جمالها وحلاوتها، وحسن زيها فقال لي: مثل هذه يا نخاس فاشتر لا مثل رقيقك، فقلت: دعني، فما رأيت مثل هذه قط، على كثر ما يمر على يدي، وما تصلح هذه إلا للخليفة، فأقبلت تخرج وتغيب، تتهادى وتتثنى في مشيها، حتى وقفت حيالنا، ونظرت إليه نظرا ذلني على أن في قلبها منه شيئا، فأنشأ يقول، وهي تسمعه، وكان اسمها معشوق:
لَقَد صُبِّحَت بِالخَيرِ عَينٌ تَصَبَّحَت = بِوَجهِكِ يا مَعشوقُ في كُلِّ شارِقِ
مُقَرطَقَةٌ لَم يَحنِها سَحبُ ذَيلِها =وَلا نازَعَتها الريحُ فَضلَ البَنائِقِ
تُشارِكُ في الصُنعِ النِساءَ وَسُلِّمَت = لَهُنَّ صُنوفُ الحُليِ غَيرَ المَناطِقِ
وَمَطمومَةٍ لَم تَتَّصِل بِذُؤابَةٍ = وَلَم تَعتَقِد بِالتاجِ فَوقَ المَفارِقِ
كَأَنَّ مَخَطَّ الصُدغِ فَوقَ خُدودِها = بَقِيَّةُ أَنقاسٍ بِإِصبَعِ لائِقِ
نَدَتهُ بِماءِ المِسكِ حَتّى جَرى لَها = إِلى مُستَقَرٍّ بَينَ أُذنٍ وَعاتِقِ
غُلامٌ وَإِلّا فَالغُلامُ شَبيهُها = وَرَيحانُ دُنيا لَذَّةٌ لِلمُعانِقِ
فطانة زنديق ولحظة قينة = بغير الذي يخفي ومُنية عاشق
لقد كسبت عين عليك بلية = لصاحبها يا فتنة للخلائق
فلما فرغ من انشادها ضحكت وولّت راجعة، فإذا أحسن الناس قدا ومؤخرا وحلاوة فانصرفنا، وقد أخذت بمجامع قلبي، فمكثنا أياما، فلم أشعر إلا بأبي نواس قد غدا الي، فقال: ويلك! أتدري ما كان حالي؟ قلت: لا، فعرّفني، قال: كنت أمس كسلان فلم انشط للشرب، فبينا أنا قاعد في وقت صلاة العصر اذ دخلت علي وصيفة أسماء بغير اذن، فقال: تقّبل الطفيلية؟ فوثبت وقبّلت رأسها وعينيها وثدييها ورجليها، وقلت: يا سيدتي الحمدلله الذي ألان قلبك، وسخرك لعبدك ومتعني بقربك، فأعلميني كيف تخلصتِ؟ قالت: خرجت لأداء رسالة، فكنت أهم إلي في نفسي، فوضعنا الشراب، وقالت أبو نواس يكون عنده الأحمر صرفا، فقلت: هو مطبوخ صحيح، وإن يكن فيه اثم فأنا أحمله عنك، فشربنا حتى طابت نفسها وانبسطت وعبثت، وكانت بكرا فجزعت وقالت: والله ما مسني، وإنما خلتني بظرفك وحلاوتك وشعرك، وما فكرت في رجل، فلم أزل أداريها وأحمل عليها في الشراب حتى أمكنتني، فمن إدماني في العمل طول الليل صيّرتها غلاما، فلما أصبحت غدوت وجئتك، وقلت فصِف هذا الآن في شعرك، قال قد فعلت في طريقي اليك وأنشد:
وَناهِدَةِ الثَديَينِ مِن خَدَمِ القَصرِ =سَبَتني بِحُسنِ الجيدِ وَالوَجهِ وَالنَحرِ
ومضينا غير مرة في طلبها، فما رأينا لها أثرا، ولا سمعنا لها خبراً
انتهى
لا اقدم ابا نواس في هذا الخبر ولكن من باب الندرة والظرفة ( ops