عدي بن الرقاع: لم أسمع للمتقدمين شعرا في الغزل أملح وأطرف وأغنج من قوله في تشبيه المرأة بالظبي الوسنان الذي هو بين النائم واليقظان:
وكأنها بين النساء أعارها ... عينيه أحور من جآذر جاسم
وسنان أقصده النعاس فرنقت ... في عينيه سنة وليس بنائم
ذو الرمة: قال ابن عياش: نزلت بي مصيبة أمضتني وأشجعتني، فتذكرت قول ذي الرمة:
خليلي عوجا من صدور الرواحل ... على دار مي وابكيا في المنازل
لعل انحدار الدمع يعقب راحة ... من الغم أو يشفي نجي البلابل
فخلوت وبكيت، فسلوت وقلت: رحم الله ذا الرمة، فما كان أعرفه بدواء الحزن.
الراعي: واسمه عبيد بن حصين: كنت أظن أن ابن المعتز أبو عذرة قوله: أهل الدنيا كصور في صحيفة متى طوي بعضها نشر بعضها، حتى قرأت للراعي:
إن الزمان الذي ترجو هواديه ... يأتي على الحجر القاسي فينفلق
ما الدهر والناس إلا مثل واردة ... إذا مضى عنق منها أتى عنق
كثير عزة: سئل عن أغزل شعره، فأشار إلى قوله:
وأدنيتي حتى إذا ما فتني ... بقول يحل العصم سهل الأباطح
تجافيت عني حين لا لي حيلة ... وخلفت ما خلفت بين الجوانح
وسئل عن أحكم شعره، فقال: قولي:
فقلت لها: يا عز كل مصيبة ... إذا ذللت يوما لها النفس ذلت
جميل بن معمر: قال أبو عمرو بن العلاء: هو أغزل نظرائه، وأغزل شعره قوله:
خليلي فيما عشتما هل رأيتما! ... قتيلا بكى من حب قاتله قبلي
أبو دهبل الجمحي: قال القاضي أبو الحسن بن عبد العزيز، هو كثير المحاسن وليس له أحسن من قوله:
وكيف أنساك لا نعماك واحدة ... عندي ولا بالذي أوليت من قدم
أما ترى كيف نفى عنه جميع وجوه النسيان بأوجز لفظ وأحسنه وأعذبه وأجمله.
بشار بن برد: أستاذ المحدثين وبدرهم وصدرهم وأعجوبة الدنيا لأنه أعمى أكمه، وله مثل قوله جميع تشبيهين في بيت واحد:
كأن مثار النقع فوق رؤسهم ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
وقال هارون بن علي المنجم: أشعر بيت في الغزل من شعر المحدثين شعر بشار بن برد:
أنا والله اشتهي سحر عيني ... ك وأخشى مصارع العشاق
وقد ظرف وملح أبو نواس في حكاية بشار وبيت له في جارية تسمى رحمة الله:
أحببت من شعر بشار لحكمته ... بيتا لهجت به من شعر بشار
يا رحمة الله حلي في منازلنا ... وجاورينا فدتك النفس من جار
ومن بدائع بشار قوله:
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة ... والآذن تعشق قبل العين أحيانا
أبو العتاهية: قيل له: أي شعر أحكم عندك وأعجب إليك؟ قال: قولي:
علمت يا مجاشع بن مسعدة ... أن الشباب والفراغ والجدة
مفسدة للمرء أي مفسدة
وقال إسحاق الموصلي: أنشدني ابن مخلد لأبي العتاهية:
ما إن يطيب لذي الرعاية لل ... أيام لا لعب ولا لهو
إذ كان يطرف في مسرته ... فيموت من أجزاءه جزؤ
فقلت: ما أحسنهما؟ فقال: أهكذا تقول، والله إنهما روحانيان يطيران ما بين السماء والأرض.
وكان الجاحظ يقول في قول أبي العتاهية:
إن الشباب حجة التصابي ... روائح الجنة في الشباب
معنى كمعنى الطرب، الذي تعرفه القلوب، وتعجز عن وصفه الألسن.
وقال: دخلت يوما على أبي إسحاق النظام وفي يده قدح دواء، يريد أن يشربه وهو يتكرهه ويعبس له وجهه، فقال لي: يا أبا عثمان صدق والله صديقك - عين أبي العتاهية - في قوله:
أصبحت في دار بليات ... أدفع آفات بآفات
ويقال إن أمدح شعر لخليفة قوله للمهدي:
أتته الخلافة منقادة ... إليه تجرر أذيالها
ولم تك تصلح إلا له ... ولم يك يصلح إلا لها
ولو رامها أحد غيره ... لزلزلت الأرض زلزالها
ولو لم تطعه بنات القلو ... ب لما قبل الله أعمالها
ومن جوامع كلمه وبدائع غرره قوله:
يا رب أنت خلقتني ... وخلقت لي وخلقت مني
سبحانك اللهم عا ... لم كل غيب مستكن
ما لي لشكرك طاقة ... يا سيدي إن لم تعني
أبو نواس: كان المأمون يقول: لو نطقت الدنيا لما وصفت نفسها بأحسن من قوله:
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق
وقال عمر بن شبة: قال سفيان بن عيينة لرجل من أهل البصرة: قد أحسن والله أبو نواسكم في قوله:
يا قمرا أبصرت في مأتم ... يندب شجوا بين اتراب
يبكي فيلقي الدر من نرجس ... ويلطم الورد بعناب
وإذا أعجب به سفيان مع زهده وورعه فما الظن بغيره
وقال هارون بن علي بن يحيى المنجم: أجمع أهل العلم بالشعر على أن أجود بيت للمحدثين في المدح قول أبي نواس:
وكلت بالدهر عينا غير غافلة ... بجود كفك يأسو كل ما جرحا
وقال غيره بل قوله:
أنت على ما بك من قدرة ... فلست مثل الفضل بالواجد
وليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد
ومما يجمع الظرف والإعجاب والإطراب قوله:
أربعة مذهبة ... لكل هم وحزن
تحيى بها عين ورو ... ح وفؤاد وبدن
الماء والبستان والقهوة والوجه الحسن
يتبع إن شاء الله،،،
ـ[بثينة]ــــــــ[20 - 04 - 2008, 04:46 ص]ـ
أبدعت أستاذي الفاضل
لا حرمنا الله من موضوعاتك الشيقة
نفع الله بك أستاذ و زادك علما و شأنا
مع خالص الود و الاحترام
جزاك الله خيرا
¥