قم فانتصف من صروف الدهر والنوب ... واجمع بكأسك شمل اللهو والطرب
أما ترى الصبح قد قامت عساكره ... في الشرق تنشر أعلاما من الذهب
والجو يختال في حجب ممسكة ... كأنما البرق فيها قلب ذي رعب
جريت في حلبة الأهواء مجتهدا ... فكيف أقصر والأيام في طلبي
توج بكأسك قبل الحادثات يدي ... فالكأس تاج يد المثري من الأدب
وقد أكثر الشعراء في ذم البخيل بالطعام، ولم أسمع في ذم البخيل بالشراب غير قوله وهو غاية في بابه:
الكأس تهدي إلى شرابها فرحا ... فما لهذا الفتى صفرا من الفرح
يصفر إن صب ساقيه لنا قدحا ... كأنما دمه ينصب في القدح
ولم أسمع في وصف مزين حاذق أحسن من قوله:
هل الحذق إلا لعبد الكريم ... حوى فضله حادثا من قديم
له راحة سيرها راحة ... تمر على الرأس مر النسيم
حمول الحسام ولكنه ... يروح ويغدو بكفي حليم
وقوله في السحاب:
سحاب يجر في الأرض ذيلي ... مطرف زره على الأرض زرا
برقه لمحة ولكن له رع ... د بطيء يكسو المسامع وقرا
كخلي منافق للذي يهواه ... يبكي جهرا ويضحك سرا
وقوله أيضاً فيه:
مسرة كيلها بلا حشف ... ولذة صفوها بلا كدر
قد ضربت خيمة الغمام لنا ... ورش خيش النسيم والمطر
وقوله في البدر تحت الغيم الرقيق وهو مما لم يسبق إليه:
والبدر منتقب بغيم أبيض ... هو فيه بين تخفر وتبرج
كتنفس الحسناء في المرآة إذ ... كملت محاسنها ولم تتزوج
ولم أسمع في القلم أحسن وأعجب من قوله:
له قلم كقضاء الإله ... فبالسعد طورا وبالنحس ماض
وما فارق الأسد في حالتيه ... يبيسا وذا ورقات غضاض
ففي يد ليث العلا في الندى ... وفي وجه ليث الشرى في الغياض
أخوه أبو " عثمان " سعيد بن هاشم الخالدي: من بدائع سحره قوله:
يا شبيه البدر حسنا ... وضياء وجمالا
وشبيه الغصن لينا ... وقواما واعتدالا
أنت مثل الورد لونا ... ونسيما وملالا
زارنا حتى إذا ما ... سرنا بالقرب زالا
وله:
ومدامة حمراء في قارورة ... زرقاء تحملها يد بيضاء
فالراح شمس والحباب كواكب ... والكف قطب والإناء سماء
وله:
أما ترى الغيم يا من قلبه قاسي ... كأنه أنا مقياسا بمقياس
قطر كدمعي وبرق مثل نار هوي ... في القلب مني وريح مثل أنفاسي
وقوله في شعر متفاوت:
شعر عبد السلام فيه رديء ... ومحال وساقط وبديع
فهو مثل الزمان فيه مصيف ... وخريف وشتوة وربيع
ولم أسمع في وصف غلام جامع للمحاسن والمناقب أحسن
وأعجب من قوله في مملوكه:
ما هو عبد لكنه ولد ... خولنيه المهيمن الصمد
وشد أزري بحسن خدمته ... فهو يدي والذراع والعضد
صغير سن كبير معرفة ... تمازج الضعف فيه والجلد
معتق الطرف كحله كحل ... معزل الجيد حليه جيد
ثقفه كيسه فلا عوج ... في بعض أخلاقه ولا أود
ما غاظني ساعة فلا صخب ... يمر في منزلي ولا صدد
مسامري إن دجى الظلام ولى ... منه حديث كأنه الشهد
خازن ما في يدي وحافظه ... وليس شيء لدي مفتقد
ومنفق مشفق إذا أنا أس ... رفت وبذرت فهو مقتصد
يصون كتبي فكلها حسن ... يطوي ثيابي فكلها جدد
وحاجبي فالخفيف محتبس ... عندي به والثقيل مطرد
وحافظ الدار إن ركبت فما ... على غلام سواه أعتمد
وأبصر الناس بالطبيخ فكال ... مسك القلايا والعنبر الثرد
وصيرفي القريض وزان دي ... نار المعاني الجياد منتقد
ويعرف الشعر مثل معرفتي ... وهو على أن يزيد مجتهد
وواجد بي من المحبة وال ... رأفة أضعاف ما به أجد
إذا تبسمت فهو مبتهج ... وإن تنمرت فهو مرتعد
ذا بعض أوصافه وقد بقيت ... له صفات لم يحوها العدد
أبو محمد المهلبي الوزير: من لطائف شعره قوله:
أراني الله وجهك كل يوم ... صباحا للتيمن والسرور
وأمتع ناظري بصحيفتيه ... لأقرأ الحسن من تلك السطور
وقوله في مملوك مطرب:
يا هلالا يبدو فيزداد شوقي ... وهزارا يشدو فيشتد عشقي
زعم الناس أن رقك ملكي ... كذب الناس أنت مالك رقي
وله:
ألا يا منى نفسي وإن كنت حتفها ... ومعناي في سري ومغزاي في جهري
تصارمت الأجفان منذ صرمتني ... فما تلتقي إلا على عبرة تجري
ومن أحاسن قوله في الزهد:
يا من يسر بلذة الدنيا ... ويظنها خلقت لما يهوى
لا تكذبن فإنما خلقت ... لينال زاهدها بها الأخرى
أبو الفضل بن العميد: من أظرف شعره قوله في غلام قام على رأسه يظلله من الشمس:
قامت تظللني من الشمس ... نفس أعز علي من نفسي
قامت تظللني ومن عجب ... شمس تظللني من الشمس
وقوله في مداد أهداه له صديق:
¥