أهدى إلي دواة لو كتبت بها ... دهرا أياديه لم تنفد أياديه
وقوله في النزلة:
أيها النزلة كفي ... وانزلي غير لهاتي
واتركي حلقي بحقي ... فهو دهليز حياتي
أبو عبد الله بن الحجاج: من عجائب شعره قوله في الجمع بين السباخ والسراب:
دعوت نداك من ظمأ إليه ... وعناني بقيعتك السراب
سراب لاح يلمع في سباخ ... فلا ماء هناك ولا تراب
ومن ملح خمرياته قوله من قصيدة:
يا سادتي قد جاءنا رجب ... فتفضلوا واستقبلوا رجبا
بمدامة لو لا أبوتها ... ما كنت قط أشرب العنبا
حمراء مثل النار موقدة ... لم تلق لا نارا ولا حطبا
من قال إن المسك يشبهها ... ريحا فلا والله ما كذبا
ومن طرف نوادره قوله في رجل دعاه وأخر طعامه إلى المساء فقال في ذلك:
يا صاحب البيت الذي ... قد مات ضيفاه جميعا
حصلتنا حتى نمو ... ت بدائنا عطشا وجوعا
كالبدر لا نرجو إلى ... وقت المساء له طلوعا
وقوله فيه أيضاً:
يا ذاهبا في داره جائيا ... بغير معنى وبلا فائدة
قد جن أضيافك من جوعهم ... فاقرأ عليهم سورة المائدة
وقوله في الصبوح:
يا صاحبي استيقظا من رقدة ... تزري على عقل اللبيب الأكيس
هذي المجرة والنجوم كأنها ... نهر تدفق في حديقة نرجس
وأرى الصبا قد غلست بنسيمها ... فعلام شربي الراح غير مغلس
قوما اسقياني قهوة رومية ... مذ عهد قيصر دنها لم يمسس
صرفا تضيف إذا تسلط حكمها ... موت العقول إلى حياة الأنفس
أبو نصر بن نباتة السعدي: من غرر أحاسنه قوله من قصيدة:
فلا تحقرن عدوا رماك ... وإن كان في ساعديه قصر
فإن السيوف تحز الرقاب ... وتعجز عما تنال الإبر
وقوله في وصف فرس أغر محجل:
قد جاءنا الطرف الذي أهديته ... هاديه يعقد أرضه بسمائه
وكأنما لطم الصباح جبينه ... فاغتاظ منه، فخاض في أحشائه
وقوله من قصيدة مرثية:
نعلل بالدواء إذا مرضنا ... وهل يشفي من الموت الدواء
ونختار الطبيب وهل طبيب ... يؤخر ما يقدمه القضاء
وما أنفاسنا إلا حساب ... ولا حركاتنا إلا فناء
وقوله:
وكنت إذا ما حاجة حال دونها ... نهار وليل ليس يعتذران
حملت على حكم القضاء ملامها ... ولم ألزم الإخوان ذنب زمان
وقوله من قصيدة:
ونبت بنا أرض العرا ... ق فما محناها بمحنه
غير الرحيل كفى البلا ... د برحلة الفضلاء هجنه
أبو الحسن محمد بن عبد الله السلامي: سمعت أبا القاسم عبد الصمد بن بابك يقول: كان السلامي أشعر شعراء بغداد بعد ابن نباتة وأمير شعره وغرة كلامه قوله في تشبيب قصيدة له في الصاحب إسماعيل بن عباد:
ونحن ألاك نطلب من بعيد ... لعزتنا وندرك من قريب
تبسطنا على الآثام لما ... رأينا العفو من ثمر الذنوب
قال: وكان الصاحب إذ أنشد هذا البيت الأخير يقول: هذا والله معنى. قد كان يدور في خاطر الناس فيحومون حوله ويرفرفون عليه ولا يتوصلون إليه على قرب مأخذه حتى جاء السلامي فأفصح عنه وأحسن ما شاء ولم يدر ما رمى به قلت: ومن بدائع غرره، قوله في غلام بيده مرآة:
رأيته والمرآة في يده ... كأنها شمسة على ملك
فقلت للصورة التي احتجبت ... من غير زهد بنا ولا نسك
يا أشبه الناس بالحبيب ألا ... تخبرنا عنك غير مؤتفك
قال أنا البدر زرت بدركم ... وبيننا قطعة من الفلك
وقوله من تشبيب قصيدة:
ما ضن عنك بموجود ولا بخلا ... أعز ما عنده النفس التي بذلا
يحكي المطايا حنينا والهجير حمى ... والمزن دمعا وأطلال الديار بلى
ومن أخرى في عبد العزيز بن يوسف:
أظن اليوم يمطر بالمدام ... وأن الأفق محمر الغمام
وما عودت حمل الكأس إلا ... على شكر الكروم أو الكرام
وعهد سماء جودك بالعطايا ... كعهد دم الأعادي بالحسام
ومن عضدية:
والنقع ثوب بالنسور مطير ... والأرض فرش بالجياد مخيل
تهفو العقاب على العقاب ويلتقي ... بين الفوارس أجدل ومجدل
أبو الحسن الأحنف العكبري: من طرف ملحه قوله:
العنكبوت بنت بيتا على وهن ... تأوي إليه وما لي مثله وطن
والخنفساء لها من جنسها سكن ... وليس لي مثلها إلف ولا سكن
وقوله:
رأيت في النوم دنيانا مزخرفة ... مثل العروس تراءت في المقاصير
فقلت: جودي، فقالت لي على عجل ... إذا تخلصت من أيدي الخنازير
عبدان الأصفهاني المعروف بالجوزي: أحسن وأظرف ما سمعت في الاعتذار من الخضاب قوله:
في مشيبي شماتة لعداتي ... وهو ناع منغص لحياتي
ويعيب الخضاب قوم وفيه ... لي أنس إلى حضور وفاتي
¥