قال أبو الحسن الأنصاري - وكان حاضراً - الهند أوضح عذراً في هذا الحديث لأنهم جعلوه من باب القربة في بيوت الأصنام، وبلغوا مرادهم بهذه الخديعة، ولم ينسبوا إلى الله شيئاً منه، ولا استجازوا الكذب عليه، ولا علقوه أيضاً على نبي من عند الله، بل رأوه صواباً بالوضع ثم طابت أنفسهم من هذا الفعل بالمران والعادة. وبعد؛ فعقولهم مدخولة، والبارع منهم قليل، وهم إلى الإفك والوهم والسحر أميل، وفي أبوابها أدخل؛ ثم قال أبو الحسن: انظر إلى جهل زرادشت في هذا الحكم وإلى ضعف عقول الفرس في قبولهم منه هذا الفعل، وخير بينها وبين عقول العرب، فإنهم قالوا: اغتربوا لا تضووا.
واستفاض هذا منهم حتى سمع من صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الضوى مكروه؛ والعرب قالت هذا بالإلهام، لقرائحهم الصافية، وأذهانهم الواقدة، وطينتهم الحرة، وأعراقهم الكريمة، وعاداتهم السليمة: وإنما شعروا بهذا لأن الضوى الواصل إلى الأبدان هو سارٍ في العقول، ولكن الفرس عن هذا السر غافلون، ولا يفطن لهذا وأمثاله إلا الألمعيون الأحوذيون؛ ثم قال: أنشد الأصمعي عن العرب قول قائلهم في مدح صاحب له:
فتىً لم تلده بنت عمٍ قريبةٌ = فيضوى وقد يضوى رديد الأقارب
قال: وقالت العرب: أضواه حقه: إذا نقصه. قال: وقال آخر لولده: والله لقد كفيتك الضؤولة، واخترت لك الخؤولة.
وقال أيضاً: العرب تقول: ليس أضوى من القرائب، ولا أنجب من الغرائب. وقال الشاعر:
أنذرت من كان بعيد الهم = تزويج أولاد بنات العم
ليس بناجٍ من ضوى أو سقم = وأنت إن أطعمته لا ينمى
وقال الأسدي يفتخر:
ولست بضاويٍ تموج عظامه = ولادته في خالد بعد خالد
تردد حتى عمه خال أمه= إلى نسب أدنى من السر واحد
ثم قال: والعرب لم ترد بهذا إلا نقص الذهن والعقل، لأنها لو أرادت نقصان الجسم لكانت مخطئة، لأنهم يريدون سمانة الجسم مع السلامة والصلابة.
ثم قال: وعلى هذا طباع الأرض، ولذلك يقال: إذا كثرت المؤتفكات زكت الأرض، لأن الرياح إذا اختلفت حولت تراب أرضٍ إلى أرض، وإذا كان الاغتراب يؤثر من التراب إلى التراب، فبالحري أن يؤثر الإنسان في الإنسان بالاغتراب، لأن الإنسان أيضاً من التراب.
قال أبو حامد: فما ظنك بقوم يجهلون آثار الطبيعة، وأسرار الشريعة? ما أذلهم الله باطلاً، ولا سلبهم ملكهم ظالماً، ولا ضربهم بالخزي والمهانة إلا جزاءً على سيرتهم القبيحة، وكذبهم على الله بالجرأة والمكابرة، وما الله بظلام للعبيد.
فلما بلغ القول مداه قال: لله در هذا النفس الطويل والنفث الغزير! لقد كنت قرماً إلى هذا النوع من الكلام، ففرغ نفسك لرسمه في جزء لأنظر فيه، وأشرب النفس حلاوته، وأستنتج العقيم منه؛ فإن الكلام إذا مر بالسمع حلق، وإذا شارفه البصر بالقراءة من كتاب أسف؛ والمحلق بعيد المنال، والمسف حاضر العين، والمسموع إذا لم يملكه الحفظ تذكر منه الشيء بعد الشي بالوهم الذي لا انعقاد له، والخيال الذي لا معرج عليه. فقلت: أفعل سامعاً مطيعاً - إن شاء الله -.
ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[17 - 04 - 2008, 11:29 م]ـ
http://img174.imageshack.us/img174/7370/moba2228nb7ntib5om2.gif
http://img185.imageshack.us/img185/6418/49dj7.gif
http://img185.imageshack.us/img185/6125/45gf2.gif مشكور http://img185.imageshack.us/img185/6125/45gf2.gif
http://img185.imageshack.us/img185/6418/49dj7.gif[/QUOTE]
أخي رسالة الغفران على ما أمتعتنا به.
ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[20 - 04 - 2008, 03:21 ص]ـ
شكر لك أخي العزيز الليث على مرورك العبق بالطيب ...