استفاض قول العرب في الحماسة والفخر، ورتبوه على الأحساب والأنساب، ومناقب القبائل وأيامها، وفي العصر العباسي تطور هذا الفن فتناوله الشعراء العرب ليسجلوا مآثر الآباء، ويشيدوا بأمجادهم وبطولاتهم وفتوحهم، وتناوله غيرهم من المولدين أبناء الأمم المفتوحة، لينوهوا بحضاراتهم وعنصرهم ودولهم، ولم يكونوا ليستطيعوا القول في ذلك على عهد بني أمية.
2 - الشعر السياسي:
في هذا العصر نما، وساير اتجاهات جديدة أبرزتها طبيعة الحكم، فقد تكشف خلاف بين شيعة العلويين، وشيعة العباسيين، وكانوا جميعا يسمون على عهد الأمويين شيعة بني هاشم.
وظهرت محاباة العباسيين للعجم، وإيثارهم بمناصب الدولة، وتعددت أحداث المنازعة والخلاف بين الخلفاء ومنافسيهم، كالفتنة بين الأمين والمأمون، ونشط الشعر في هذه المواقف، ليؤدي دوره في إذاعة المبادئ والدفاع عنها.
3 - الوصف:
تستهوي مشاهد البيئة الشعراء منذ كانوا، فشعر الوصف قديم، وأثر البيئة فيه واضح، وقد اتخذه الجاهليون مطالع لقصائدهم، يفتتحونها به، ثم يتخلصون منه إلى ما يريدون من غرض.
وفي العصر العباسي استبحر العمران، وقويت الحضارة، وتعددت البيئات والمشاهد، باتساع الدولة وكثرة الأقاليم المفتوحة، وغلب الترف على الحياة، وكان لابد أن يتسع مجال الوصف ويتنوع، فيقف بالقصور والبساتين والبرك، والنافورات ومصايد الطير والسمك، والمصانع والآثار، وأنواع السفن المختلفة: من سفن السفر، وسفن القتال، ويصور مجالس الأنس، وآلات الغناء، ورحلات الصيد، وأحوال الطبيعة والنفس، وكانت منه أحيانا قصائد ومقطوعات تجردت للوصف وحده.
4 - المدح:
تناوله العباسيون، وأغرقوا فيه يلتمسون به الحظوة عند الخلفاء والأمراء والوزراء، ويستدرون به عطاياهم.
وكانت كثرة الشعراء، ووفرة ما يُمنحونه من العطايا من دوافع تجويدهم للمدح، ومبالغتهم في معانيه، وقد عرفت من قبل أن من الشعراء من سما بهم شعرهم إلى مناصب الولاية والوزارة، وكانت المدائح فردية النزعة حينا، واجتماعية النزعة حينا آخر، فهي لا تستهدف الفرد إلا بمقدار ما تنطلق منه إلى تسجيل المحامد القوية، وتبجيل المآثر العامة، وتمجيد البطولة.
5 - الرثاء:
إذا استفاضت مدائح الشعراء، استتبعت تلقائيا أن يستفيض الرثاء، فأولئك الممدوحون لصلاتهم الماسة بالشعراء، وانحياز الشعراء إليهم، أو لمناقبهم العامة، أو لتمثيلهم اتجاها سياسيا معينا – لابد أن يكونوا موضوعا للرثاء حين الفجيعة فيهم، أو للعزاء حين تنزل الخطوب بذوي رحمهم، وثمة مراثي تحدرت بها ألسنة الشعراء، انفعالا بفواجعهم الذاتية، فكانت ذوب الكبد الحرى، والفؤاد الملتاع.
6 - العتاب والهجاء:
كانت دوافع الهجاء في العصرين الجاهلي والأموي قبلية، فأضحت في العصر العباسي مذهبية أو شخصية، والهجاء قاس عنيف، فإن لان وآثر البقاء على الود، وغلف الشدة بالرغبة في المراجعة كان عتابا، فأنت ترى أنهما وجهان لفن واحد، تؤدى فيه الكلمة والصورة دورهما البارع في السخرية والتجريح والإقذاع.
وأهاجي ابن الرومي لوحات بارعة تعمق الاحساس بالتناقض المثير للسخرية في شخصية المهجو وخلقه وسلوكه.
7 - الحكمة وضرب المثل:
كان تناولهما في الجاهلية وصدر الإسلام وبني أمية قليلا متناثرا خلال قصائدهم، ولما استفاضت ترجمة حكمة اليونان، وفارس والهند – استفاد منها الشعراء كثيرا، وضمنوه شعرهم، وأضافوا إليه من تجاربهم وابتكارهم.
ومن أشهرهم أبو تمام، وصالح بن عبد القدوس.
ولهذا قال النقاد: (أبو تمام حكيم، والبحتري شاعر)
8 - الغزل:
كثر تناوله لغلبة الترف على النفوس، وكثرة مجالس الأنس، وامتلاء بغداد بالجواري، وطغيان المجون بانتشار الترخص الخلقي، ولهذا اتسم بالجرأة والتصريح، وأوغل في المجانة والإسفاف.
ولم يخلص الغزل كله لهذه المجانة، فكان منه العفيف الذي أحيا معاني العذريين وترسم أساليبهم، وقد تجرد شعر العباس بن الأحنف لهذا النوع من الغزل، على حين كان بشار زعيما للنزعة المادية المتحللة فيه.
ألفاظ الشعر وأسلوبه
¥