1 - مالت الألفاظ إلى جانب الرقة والسهولة، تأثرا بلين العيش وحضارة العصر، ولحرص الشعراء على الأناة والتروي في إنتاج أدبهم، وعلى مراجعته وتنقيحه، فهو صناعتهم ووسيلة كسبهم وظهورهم.
2 - أبقوا على الأساليب قوة النسج، وفخامة التأليف في غير الهزل والمجون.
3 - تسللت إلى الشعر ألفاظ فارسية راجت في المجتمع كظاهرة من ظواهر الامتزاج الشديد الذي تم بين العرب والشعوب المفتوحة، وأكثرها يتصل بالأعياد، والأطعمة والأشربة، والملابس، ومنها النيروز وآب سرد أي الماء البارد، والإكليل.
4 - دفعتهم الصنعة إلى تجميل شعرهم، وتوشيته بألوان من التحسين اللفظي والمعنوي، كالجناس والطباق والمقابلة والقوافي الداخلية، وأول من عنى بذلك منهم مسلم بن الوليد، وتبعه أبو تمام مبالغا.
5 - وثمة خصيصة واضحة للقصيدة العباسية في بنائها، فلقد عرفت حرص القصيدة الجاهلية والأموية على البدء بالغزل، وذكر الأطلال والديار، والظغائن، ووصف الناقة ومشاهد الرحلة في الفلاة، والانتقال بعد ذلك كله إلى الغرض الأساسي إن مدحا أو هجاء أو فخرا.
ولم يرتض هذا البناء بعض المولدين، وتهكموا به، وعجبوا أن يلتزمه شعراء الحضر، ويسلكوا فيه مسلك الأعراب، واستبدلوا به الابتداء بالخمريات، أو وصف القصور والبساتين، ومن أبرز المتهكمين بالمسلك القديم أبو نواس الذي يقول:
صفة الطلول بلاغة الفدم **** فاجعل صفاتك لابنة الكرم
أوزان الشعر وقوافيه
إذا كان شعراء هذا العصر قد تفننوا في أغراض شعرهم، وأبدعوا في معانيه وأخيلته، ورققوا أساليبه، فإنهم حرصوا في إنشاد القصيدة على التزام وحدة البحر والقافية.
وتخيروا الأبحر القصيرة والمجزوءة لموضوعات المجون واللهو، لملاءمتها ولمطاوعتها للتغني.
والأبحر الطويلة للموضوعات المحفلية الجادة.
والشعر المزدوج لنظم القصص والأمثال وقواعد الفقه والعلوم، ويتألف من مشطورين على قافية، ثم من مشطورين آخرين وهكذا، مثل ما أورده أبان في ترجمته كليلة ودمنة:
وإن من كان دنئ النفس **** يرضى من الأرفع بالأخس
كمثل الكلب الشقي البائس **** يفرح بالعظم العتيق اليابس
ثانيا: الشعر في العصر العباسي الثاني
فنون الشعر
كثر إلحاح الشعراء في هذا العصر على عدد من الموضوعات، واتجهوا بها اتجاها متميزا أعطاها صبغة خاصة، منها:
الحكمة والفلسفة والتصوف:
عالج الشعر هذه الموضوعات قاصدا إليها، مغرقا فيها، متأثرا بنمو الدراسات الفلسفية وتمثلها بعد ترجمتها عن اليونان، والاشتغال بها.
وأصبحت القصائد والمقطعات تؤسس على غرض فلسفي أو صوفي، كما في شعر أبي العلاء وابن الفارض، وتغلغلت الحكم وازدحمت فيها، كما في شعر المتنبي، وتسللت اصطلاحات العلوم العقلية التي امتلأت بها أذهان الشعراء، ولاسيما الفلاسفة منهم إلى أساليبهم وتشبيهاتهم، ومن هؤلاء ابن سينا والرازي.
الهزل والتهكم:
يعتمد شعرهما على الدعابة وخفة الروح، وفراغ البال، ويقظة الذهن، ودقة الملاحظة، وقد كثر الشعراء الظرفاء في هذا العصر ومنهم ابن حجاج، وابن سكرة بالعراق، وأبو الرقعمق بالشام، والبهاء زهير بمصر.
التراسل بالشعر (شعر الإخوانيات):
كثر التراسل بالشعر بين الشعراء، فحل محل الكتابة، وطالعتنا قصائد ومقطوعات فيما يدور بين الإخوان من شكر وتهنئة وتعزية وعتب وشكوى.
وفي مصر على عهد الفاطميين كثرت قصائد التهاني بالأعياد والمواسم كثرة واضحة، فقد عددوها وأكثروا منها، وشغلوا الناس بمهرجاناتها.
وصف المعارك الحربية:
لا عجب أن يكثر شعراء هذا العصر من وصف المعارك، إذ كانت سمة من سماته البارزة، فالحروب لم تهدأ بين المسلمين وغيرهم من الروم والصليبيين، وقد حملت بعض الأقاليم عبء بعض هذه الحروب، وتوفر عليها أمراؤها، فالحمدانيون لم يفتروا في قتال الروم، ومصر والشام حملتا عبء الحروب الصليبية وقتال المغول.
ومع وصف المعارك حث الشعراء على الجهاد، وذكروا بالأمجاد، وهنئوا بالفتوح، وشدوا على العزائم عند الهزيمة.
ومن فرسان هذا المجال المتنبي، وأبو فراس الحمداني، وأسامة بن منقذ.
الشكوى:
¥