و يا تربة تاه فيها الجلال = فتاهت بها القمم الشامخات
و أهوى على قدميها الزمان = فأهوى على قدميها الطفاة
المفدى زكريا
ـ[عز الدين القسام]ــــــــ[30 - 04 - 2008, 11:55 م]ـ
ذا نوفمبرُ قمْ وحيّ المِدفعا = واذكرْ جهادَكَ والسنينَ الأربعا
واقرأْ كتابَكَ، للأنام مُفصَّلاً = تقرأْ به الدنيا الحديثَ الأَروعا
واصدعْ بثورتكَ الزمانَ وأهلَهُ = واقرعْ بدولتك الورى، والمجمعا
واعقدْ لحقِّك في الملاحم ندوةً = يقف الزمان بها خطيباً مِصْقَعا
وقُلِ: الجزائرُ واصغِ إنْ ذُكِرَ اسمُها = تجد الجبابرَ ساجدينَ ورُكَّعا
إن الجزائرَ في الوجود رسالةٌ = الشعبُ حرّرها وربُّك َوَقّعا
إن الجزائرَ قطعةٌ قدسيّةٌ = في الكون .. لحّنها الرصاصُ ووقّعا
وقصيدةٌ أزليّة، أبياتُها = حمراءُ كان لها نفمبرُ مطلعا
نَظمتْ قوافيها الجماجمُ في الوغى = وسقى النجيعُ رويَّها فتدفَّعا
غنَّى بها حرُّ الضّمير، فأيقظتْ = شعباً إلى التحرير شمّر مُسرِعا
سمعَ الأصمُّ دويَّها، فعنا لها = ورأى بها الأعمى الطريقَ الأنصعا
ودرى الأُلى، جَهلوا الجزائرَ أنها = قالتْ أُريد فصمَّمتْ أن تلمعا
ودرى الأُلى جحَدوا الجزائرَ، أنها = ثارتْ .. وحكّمتِ الدِّما والمِدْفعا
شقّتْ طريقَ مصيرها بسلاحها = وأبتْ بغير المنتهى أن تَقنعا
شعبٌ دعاه إلى الخلاص بُناتُهُ = فانصبَّ مُذْ سمع النِدا وتطوَّعا
نادى به جبريلُ في سوقِ الفِدا = فشرى، وباع بنقدها وتبرَّعا
فلكم تصارع والزمانَ فلم يجدْ = فيه الزمانُ - وقد توحَّد مطمعا
واستقبل الأحداثَ منها ساخراً = كالشامخات تمنُّعاً وترفُّعا
وأرادهُ المستعمرون، عناصراً = فأبى مع التاريخ أن يتصدّعا
واستضعفوه .. فقرّروا إذلالهُ = فأبتْ كرامتُهُ له أن يخضعا
واستدرجوه .. فدبّروا إدماجَهُ = فأبتْ عروبتُه له أن يُبلَعا!
وعن العقيدة .. زوّروا تحريفَهُ = فأبى مع الإيمان .. أن يتزعزعا
وتعمّدوا قطعَ الطريق .. فلم تُرِدْ = أسبابُه بالعُرْب أن تَتقطَّعا
نسبٌ بدنيا العُرب .. زكَّى غرسَهُ = ألمٌ .. فأورق دوحُه وتفرَّعا
سببٌ، بأوتار القلوب .. عروقُهُ = إن رنّ هذا رنّ ذاكَ ورجَّعا
إمّا تنهَّد بالجزائر مُوجَعٌ = آسى الشآمُ جراحَه، وتوجَّعا
واهتزَّ في أرض الكِنانة خافقٌ = وأَقضَّ في أرض العراق المضجعا
وارتجَّ في الخضراء شعبٌ ماجدٌ = لم تُثنِه أرزاؤه أن يَفزعا
وهوتْ مُراكشُ حولَه وتألمّتْ = لبنانُ واستعدى جديسَ وتُبَّعا
تلك العروبةُ إن تَثُرْ أعصابُها = وهن الزمانُ حيالَها وتضعضعا
الضادُ في الأجيال خلَّد مجدَها = والجرحُ وحَّد في هواها المنزعا
فتماسكتْ بالشرق وحدةُ أمّةٍ = عربيّةٍ، وجدتْ بمصرَ المرتعا
ولَمِصرُ .. دارٌ للعروبة حُرّةٌ = تأوي الكرامَ .. وتُسند المتطلِّعا
سحرتْ روائعُها المدائنَ عندما = ألقى عصاه بها الكليمُ فروّعا
وتحدّث الهرمُ الرهيب مباهياً = بجلالها الدنيا .. فأنطق يُوشَعا
واللهُ سطَّر لوحَها بيمينهِ = وبنهرها .. سكبَ الجمالَ فأبدعا
النيلُ فتّحَ للصديق ذراعَهُ = والشعبُ فتَّحَ للشقيق الأضلعا
والجيشُ طهَّر بالقتال قنالَها = واللهُ أعمل في حَشاها المبضعا
والطورُ .. أبكى مَن تَعوّدَ أن يُرى = في حائط المبكى يُسيل الأدمعا
والسدُّ سدّ على اللئام منافذاً = وأزاح عن وجه الذئاب البُرقعا
و تعلّم التاميزُ عن أبنائها = والسينُ درساً في السياسة مُقنعا
و تعلّم المستعمرون، حقيقة ً = تبقى لمن جهل العروبة مرجعا
دنيا العروبة، لا تُرجَّح جانباً = في الكتلتين و تُفضَّل موضعا
للشرقِ في هذا الوجود، رسالةُ = علياءُ صدّقَ وحيَها فتجمّعا
يا مصرُ يا أختَ الجزائر في الهوى = لكِ في الجزائر حرمةٌ لن تُقطَعا
هذي خواطرُ شاعرٍ غنّى بها = في الثورة الكبرى فقال وأسمعا
و تشوّقاتٌ .. من حبيسٍ مُوثَقٍ = ما انفكّ صبّاً بالكنِانَة مُولَعا
خلصتْ قصائدُه فما عرف البُكا = يوماً و لا ندب الحِمى و المربعا
إن تدعُه الأوطانُ كان لسانَها = أو تدعه الجُلَّى أجاب و أَسْرعا
سمع الذبيحَ ببربروس فأيقظتْ = صلواتُه شعرَ الخلود فلعلعا
و رآه كبَّر للصلاة مُهَلَّلاً = في مذبح الشهدا .. فقام مُسَمَّعا
ورأى القنابلَ كالصواعق إن هوتْ = تركتْ حصونَ ذوي المطامع بلقعا
ورأى الجزائرَ بعد طول عنائها = سلكتْ بثورتها السبيل الأنفعا
وطنٌ يعزّ على البقاء وما انقضى = رغمَ البلاء عن البِلى مُتمنِّعا
لم يرضَ يوماً بالوثاق، ولم يزلْ = متشامخاً مهما النَّكالُ تنوّعا
هذي الجبالُ الشاهقات، شواهدٌ = سخرتْ بمن مسخ الحقائقَ وادّعى
سلْ جرجرا تُنبئكَ عن غضباتها = واستفتِ شليا لحظةً .. وشلعلعا
واخشعْ بوارَشنيسَ إن ترابَها = ما انفكّ للجند المعطَّر مصرعا
كسرتْ تِلمسانُ الضليعةُ ضلعَهُ = ووهى بصبرةَ صبرُهُ فتوزّعا
ودعاه مسعودٌ فأدبر عندما = لاقاه طارقُ سافراً ومُقنَّعا
اللهُ فجّر خُلدَه، برمالنا = وأقام عزرائيلَ يحمي المنبعا
تلك الجزائرُ تصنع استقلالها = تَخذتْ له مهجَ الضحايا مصنعا
طاشتْ بها الطرقاتُ فاختصرتْ لها = نهجَ المنايا للسيادة مهيعا
وامتصّها المتزعّمون فأصبحتْ = شِلْواً .. بأنياب الذئاب مُمَزَّعا
وإذا السياسةُ لم تفوِّض أمرها = للنار كانت خدعةً وتصنُّعا
إنِّي رأيتُ الكون يسجد خاشعاً = للحقّ والرشَّاش إن نطقا معا
خَبِّرْ فرنسا .. يا زمانُ بأننا = هيهات في استقلالنا أن نُخدعا
واستفتِ يا ديغولُ شعبَكَ إنهُ = حُكْمُ الزمان فما عسى أن تصنعا
شعبُ الجزائر قال في استفتائهِ = لا لن أُبيح من الجزائر إصبعا
واختار يومَ الاقتراع نفمبراً = فمضى وصمّم أن يثورَ ويقرعا
المفدى زكريا
¥