[أثر التفسير في بناء الشخصية واتزانها]
ـ[أبو العالية]ــــــــ[25 Jul 2007, 08:38 م]ـ
[أثر التفسير في بناء الشخصية واتزانها]
أحمد بن أحمد شرشال
لما كان التأثير يتم بمقدار عظمة المؤثر ظهر تأثير تفسير القرآن في بناء الإنسان وشخصيته قوياً وكاملاً، ويصعب علينا حصر جميع جوانب التأثير في بناء شخصية الإنسان واتزانها واعتدالها، وسأقتصر على بعض الجوانب. وأقول: إن الاشتغال بفهم القرآن وتفسيره والتفقه فيه يرقق إحساس الطالب ويقوي شعوره، وينمي فيه حب الآخرين؛ بحيث يجعله يتألم لألمهم ويفرح لفرحهم، ويسعد لسعادتهم.
ومن مبتكرات القرآن في التعبير عن هذا الإحساس أن جعل قتل الرجل لغيره قتلاً لنفسه، وجعل إخراج الرجل من داره إخراجاً لنفسه، وجعل ظن السوء بغيره ظناً بنفسه، وجعل لمز غيره لمزاً لنفسه، وجعل السلام على غيره سلاماً على نفسه، وكل ذلك أراده القرآن في تعبيراته.
قال ـ تعالى ـ في سياق أخبار بني إسرائيل: ((وَإذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ)) [البقرة: 84، 85]. فجعل دم كل فرد من أفرادهم كأنه دم الآخر عينه حتى إذا سفكه كان كأنه بخع نفسه وانتحر ذاته.
قال القرطبي: (ولما كانت ملتهم واحدة وأمرهم واحداً وكانوا كالشخص الواحد جعل قتل بعضهم بعضاً وإخراج بعضهم بعضاً قتلاً لأنفسهم ونفياً لها) (1).
قال الشيخ ابن عاشور: (وليس المراد النهي عن أن يسفك الإنسان دم نفسه، أو يخرج نفسه من داره؛ لأن مثل هذا مما يزع المرء عنه وازعه الطبعي .. وإنما المراد أن لا يسفك أحد دم غيره ولا يخرج غيره من داره) (2). ومثل هذا السياق قوله ـ تعالى ـ: ((فَاقْتُلُواً أََنفُسَكُمْ)) [البقرة: 54]. ومعناه: فليقتل بعضكم بعضاً بأن يقتل من لم يعبد العجل عابديه؛ فإن قتل المرء لأخيه كقتله نفسه.
قال القرطبي: (وأجمعوا على أنه لم يؤمر كل واحد من عبدة العجل بأن يقتل نفسه بيده) ثم نقل عن الزهري قوله: (أن يقتل من لم يعبد العجل من عبد العجل) (3).
وقال الله ـ تعالى ـ في سياق هذا المعنى: ((وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ)) [النساء: 29] أي لا يقتل بعضكم بعضاً، فجعل قتل الرجل لغيره قتلاً لنفسه، قال القرطبي: (أجمع أهل التأويل على أن المراد بهذه الآية النهي أن يقتل بعض الناس بعضاً، ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه) (4).
قال الحافظ ابن كثير: (وهو الأشبه بالصواب) (5)، قال الزمخشري: (شبّه الغير بالنفس لشدة اتصال الغير بالنفس في الأصل أو الدين، فإذا قتل المتصل به نسباً أو ديناً فكأنما قتل نفسه) (6) وقال الحافظ ابن كثير: (إن أهل الملة الواحدة بمنزلة النفس الواحدة) (7).
وقد بين الله أن من قتل نفساً بغير حق فكأنما قتل الناس جميعاً وقال: (( ... كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأََرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)) [المائدة: 32].
ومن تعبيرات القرآن بالنفس وإرادة الأخ في الدين قوله ـ تعالى ـ: ((يَا أََيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أََنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ)) [المائدة: 105]. نقل الفخر الرازي عن عبد الله بن المبارك أنه قال: (هذه أوكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه ـ سبحانه ـ قال: ((عَلَيْكُمْ أََنفُسَكُمْ)) ويعني عليكم أهل دينكم، ولا يضركم من ضل من الكفار، بأن يعظ بعضكم بعضاً، ويرغّب بعضكم بعضاً في الخيرات وينفره عن القبائح والسيئات) (8)؛ لأن المؤمنين إخوة في الدين.
¥