تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[دلالة الأصالة ودلالة التبع - د. سلمان العودة]

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[10 Sep 2007, 08:47 ص]ـ

دلالة الأصالة ودلالة التبع

سلمان بن فهد العودة

27/ 8/1428 - 09/ 09/2007

المصدر: موقع الإسلام اليوم ( http://www.islamtoday.net/pen/show_articles_content.cfm?id=64&catid=38&artid=10043)

يتحدث الأصوليون بما يسمونه: المطابقة، والتضمن، والالتزام.

فلفظ البيت؛ يدل على جميع البيت بطريق المطابقة.

وبالتضمن: يدل البيت على وجود السقف.

وبالالتزام: يدل السقف على وجود حائط، ولابد؛ فإنه لا سقف إلا بحائط.

وقد خطر لي تقسيم آخر، ليس غريباً عن ذوقهم واصطلاحهم, وهو في الوقت ذاته مهم لقراءة النص واستيعابه، والتعامل معه.

ذلك أن النص، ولا أعني هنا الكلمة، بل الجملة والسياق، له دلالة مباشرة، هي أصل المعنى، ويمكن التعبير عنها بأنها " هي مقصود الكلام ".

وفهم المقاصد ضروري لفهم الفروع والتفصيلات، والغفلة عنها تورث خللاً بيّناً في فهم الشريعة، وتناول النصوص.

وهذا ما يمكن تسميته بـ " دلالة الأصالة ".

وثمت معنى آخر، هو موجود بصفة مباشرة, أو غير مباشرة في النص، ولكنه ليس مقصوداً لذاته، وليس تأسيساً، بل هو تكميل, أو تعضيد للمعنى الأول.

وكثيراً ما يتسبب الجدل والصراع الفقهي والكلامي والعملي في إبراز المعنى الثاني التابع وتكريسه؛ حتى إذا مرّ القارئ بالنص لم يتبادر إلى ذهنه سواه، وغاب المعنى الأول أو كاد.

في قول الله سبحانه وتعالى: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء" [سورة المائدة:64]، معنى مقصود أصلاً، وهو إثبات كرم الله سبحانه وتعالى وجوده، فكانت رداً على اليهود في دعوى البخل، وأثبتت كرمَه، وبسط يديه سبحانه وتعالى، ولذا جاء التعقيب بقوله: " يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء".

وفي الآية الكريمة معنى آخر جاء تبعاً؛ وهو ذكر اليدين، وهو دليل على إثبات يدين لله تعالى؛ كما جاء ذلك في مواضع أخرى من الكتاب الكريم، مثل قول الله سبحانه وتعالى: "يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ" [سورة الفتح:10]، وقوله جل وعلا: "لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ" [سورة ص:75]، وقوله سبحانه: "مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا" [سورة يس:71]، وقوله تعالى: "قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ" [سورة آل عمران:73].

ولذا كان منهج الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- والأئمة من بعدهم: الإيمان بهذا المعنى وإثباته، وإمراره كما جاء من غير دخول في " الكَيف " .. ولكن يثبتون أسماء الله وصفاته كما جاءت في الكتاب والسنة بلا تأويل ولا تشبيه.

ونظراً للجدل حول هذا الموضوع؛ أصبح هذا المعنى حاضراً في ذهن المتلقي شديد الحضور، حتى إذا قرأ الآية من كتاب الله، غاب عنه المعنى الأصلي, ولم يكد يستحضره إلا قليلاً، وهو معنى الكرم والجود والتفضل الإلهي؛ وتصدّر المعنى الثاني، واستحضر معه الجدل والكلام الذي دار بين أهل السنة ومخالفيهم، واحتجاجات كل طرف، ورد الطرف الآخر، وهكذا حتى ربما غفل عن صلاته أو قراءته، أو قطع شوطاً في السورة منشغل الذهن باستدعاء ذلك العراك وتذكر الشبهات والردود والأقاويل ..

والسلامة أن يمضي المرء مع النص إيماناً به، وإثباتاً لما أثبت، ونفياً لما نفى، وإعراضاً عن القيل والقال، مع إدراك أن المقصد الأول في الآية هو إثبات كمال الكرم والجود والعطاء لله سبحانه وتعالى، وهو يتضمن إثبات صفة اليد له سبحانه وتعالى، على وجه يليق به، من غير أن يشبه الله بخلقه أو يكيفه، وكل صورة خطرت في ذهنه نفاها, واستعاذ بالله من الجري وراء الغيب.

ومثله قوله سبحانه وتعالى: "تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" [سورة الملك:1] ..

فالنص جاء لإثبات بركة الله، وأن الملك له، وفيه إثبات اليد له، ولولا أن المحل قابل لم يأت ذكر اليد؛ فثبوت هذا المعنى حق، ولكنه لا يجور على المعنى الأصلي المتضمن في الآية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير