[مصطلح المكي والمدني بين المكانية والزمانية]
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[10 Sep 2007, 05:06 م]ـ
لا يخفى على ذي اطلاع على كتب علوم القرآن ما هي بحاجة إليه من التحرير، وإن علماءنا ـ رحمهم الله ـ قد بذلوا جهدًا في الجمع والتحرير، لكن الأمر لا زال بحاجة إلى زيادة بحث وتحرير.
وإن الدعوة إلى التحرير لا تعني نقض ما توصل إليه السابقون برمته، بل هي دعوة إلى تتميم ما بقي منه بحاجة إلى تقويم وتحرير، ولو كانت فكرة الاكتفاء بما قدمه السابقون في ذهن أسلافنا لما تقدم العلم، ولبقيت كثير من المعلومات أشبه بالعلم التوقيفي الذي لا يجوز تقويمه أو الزيادة عليه، وذلك ما لم يكن في خلدهم رحمهم الله.
وسأدير في هذه المقالة الحديث حول مصطلح المكي والمدني، وأذكر ما توصلت إليه في هذا المقام، فأقول:
قال السيوطي رحمه الله تعالى: (اعلم أن للناس في المكي والمدني اصطلاحات ثلاثة:
أشهرها أن المكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعدها سواء نزل بمكة أم بالمدينة عام الفتح أوعام حجة الوداع أم بسفر من الأسفار. أخرج عثمان بن سعيد الرازي بسنده إلى يحيى بن سلام قال: ما نزل بمكة وما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فهومن المكي. وما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره بعد ما قدم المدينة فهومن المدني. وهذا أثر لطيف يؤخذ منه أن ما نزل في سفر الهجرة مكي اصطلاحاً.
الثاني: أن المكي ما نزل بمكة ولوبعد الهجرة، والمدني ما نزل بالمدينة، وعلى هذا نثبت الواسطة، فما نزل بالأسفار لا يطلق عليه مكي ولا مدني). الإتقان، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (1: 23).
وقال في موطن آخر: (سورة النساء زعم النحاس أنها مكية، مستنداً إلى أن قوله: (إن الله يأمركم) الآية، نزلت بمكة اتفاقاً في شأن مفتاح الكعبة، وذلك مستند واه لأنه لا يلزم من نزول آية أو آيات من سورة طويلة نزل معظمها بالمدينة أن تكون مكية، خصوصاً أن الأرجح أن ما نزل بعد الهجرة مدني، ومن راجع أسباب نزول آياتها عرف الرد عليه. ومما يرد عليه أيضاً ما أخرجه البخاري عن عائشة قالت: ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده، ودخولها عليه كان بعد الهجرة اتفاقاً. وقيل نزلت عند الهجرة). الإتقان، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (1: 31).
التعليق:
أولاً: لو سار السيوطي (ت: 911) على عبارته الأولى (اصطلاحات) لكان أولى، لكنه رجَّح بين هذه الاصطلاحات في الموطن الآخر، وجعل الاعتبار الزماني هو المقدَّم.
ثانيًا: لم يذكر من قال بهذه الاصطلاحات، ولا من قال ـ باعتبار المكان ـ بأن ما لم ينزل بمكة ولا المدينة فليس بمكي ولا مدني، وذلك قوله: (وعلى هذا نثبت الواسطة، فما نزل بالأسفار لا يطلق عليه مكي ولا مدني).
ثالثًا: ما نقله عن يحيى بن سلام البصري موجود في مقدمة مختصريه (تفسير هود ابن محكم، وتفسير ابن أبي زمنين)، وهذا هو بتمامه: (قال يحيى: إن ما نزل بمكة وما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغ النبي عليه السلام المدينة فهو من المكي.
وما نزل على النبي عليه السلام في أسفاره بعدما قدم المدينة فهو من المدني وما كان من القرآن (يا أيها الذين آمنوا) فهو مدني، وما كان (يا أيها الناس) ففيه مكي ومدني، وأكثره مكي).
وهذا القول باعتبار الزمان قال به ممن هو في طبقة يحيى بن سلام (ت: 200)، وهو علي بن الحسين بن واقد (ت: 211)، فقد أورده السيوطي في الدر المنثور، قال: (وأخرج ابن مردويه عن علي بن الحسين بن واقد رضي الله عنه (ت: 211) قال: كل القرآن مكي أو مدني غير قوله {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} فإنها أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة حين خرج مهاجراً إلى المدينة. فلا هي مكية ولا مدنية، وكل آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة فهي مكية. فنزلت بمكة أو بغيرها من البلدان، وكل آية نزلت بالمدينة بعد الهجرة فإنها مدنية. نزلت بالمدينة أو بغيرها من البلدان).
¥