[إتحاف الإخوان بمدارسة الأستاذ منصور مهران]
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[03 Sep 2007, 07:38 ص]ـ
قال الأستاذ الجليل منصور مهران – حفظه الله – معلقا على موضوع " ابن برجان وتفسيره ... ":
" كثيرا ما يرد في كلامنا (لا زال) بقصد إفادة الاستمرار؛ مثل: لا زال الكتاب مخطوطا، وذلك مما يخالف نهج العربية؛ لأن الفعل (زال) بصيغة الماضي إذا استعمل ناقصاً وسبقته (لا) ينصرف إلى الدعاء، كقولنا: لا زلت ممتعا بالصحة والعافية؛ فهذا دعاء لا غير، والصواب في المثال الأول: لا يزال الكتاب مخطوطا، أو ما زال الكتاب مخطوطا. فإذا جاء الفعل بصيغة المضارع صح دخول النفي بما أو لا لإفادة معنى الاستمرار بلا حرج، وبالله التوفيق." اهـ
قلتُ: نبّه كثيرٌ من العلماء المعاصرين على خطأ استعمال " لا زال " بمعنى الإخبار، وأذكر على سبيل المثال ما قاله الدكتور أحمد مختار عمر في كتابه " أخطاء اللغة العربية المعاصرة عند الكُتَّاب والإذاعيِّين " ص167:
" إذا أريد نفي الفعل الماضي وجب نفيه " بما ". ولا يصح استخدام " لا " إلا إذا تكررت
مثل قوله تعالى: (فلا صدَّق ولا صلى، ولكن كذب وتولى)، أو كانت معطوفة على نفي سابق مثل: " ما جاء الضيف ولا اعتذر ". أما إذا نفى الماضي "بلا"في غير هاتين الحالتين، فإنها تفيد الدعاء كما في قوله تعالى: (فلا اقتحم العقبة، وما أدراك ما العقبة، فك رقبة)، وكما في قولنا: " لا زال فضلك غامرا" ... " اهـ
ويؤيد كلامَ المعاصرين ما قاله الزجاجي في " حروف المعاني " ص 8:
" لا: نفي للمستقبل والحال، وقبيحٌ دخولها على الماضي، لئلا تشبه الدّعاء؛ ألا ترى أنك لو قلت: لا قام زيد، جَرَتْ كأنك دعوتَ عليه " اهـ
لكن أين نذهب بقول عنترة:
وحقك لا زال ظهر الجواد ** مقيلي وسيفي ودرعي وسادي
إلى أن أدوس بلاد العراق ** وأفني حواضرها والبوادي
فهل نعد قول عنترة من القبيح! وعنترة من الفحول الذين يحتج بكلامهم!
أم هل نعده من الشاذ الذي لا يُقاس عليه؟!
كما صرَّح بذلك ابن عاشور في " التحرير والتنوير" عند قوله تعالى: (فلا صدق ولا صلى): " و {لا} نافية دخلت على الفعل الماضي والأكثر في دخولها على الماضي أن يعطف عليها نفي آخر وذلك حين يقصد المتكلم أمرين مثل ما هنا وقول زهير:
فلا هو أخفاها ولم يتقدم
وهذا معنى قول الكسائي «(لا) بمعنى (لَم) ولكنه يقرن بغيره يقول العرب: لا عبدُ الله خارج ولا فلان، ولا يقولون: مررت برجل لا محسن حتى يقال: ولا مجمل» اهـ فإذا لم يعطف عليه نفي آخر فلا يؤتى بعدها بفعل مُضِيٍّ إلاّ في إرادة الدعاء نحو: «لا فُضَّ فُوك» وشذ ما خالف ذلك. " اهـ
(29/ 361)
أرى –والله أعلم - أنّ المسألة تحتاج لتحرير أكثر ... ولعل الأستاذ الكريم منصور -وفقه الله - يجود علينا بما عنده.
ـ[منصور مهران]ــــــــ[03 Sep 2007, 10:49 ص]ـ
تفضل أخي الأستاذ النابه عمار الخطيب - حفظه الله - بإبداء ملاحظات قيمة حول قول: (لا زال الكتاب مخطوطا)
وعرض ما جاء في شعر عنترة من قوله:
(وحقك لا زال ظهر الجواد = مقيلي ........ )
وشعر عنترة في الصميم من العربية، وقوله هذا يؤيد دعوانا في انصراف أسلوب (لا زال) إلى الدعاء؛
لأن عنترة أراد أن يثبت لعبلة عزمه وإصراره على أن يدوس بلاد العراق ويفني حواضرها والبوادي،
فجاء بالتوكيد الذي هو القسم ليذهب عن نفس عبلة أي شك في ذلك،
وكان من المناسب أن يدعو لنفسه بطول البقاء حتى يحقق مُراده، فجاء بقوله:
(لا زال الجواد مقيلي، وسيفي ودرعي وسادي)
فلا غبار على قوله، ولا مناص من صرف (لا زال) إلى الدعاء،
ومن العجيب أن علماء أجلاء نبهوا على ذلك ووقعوا فيما نهوا عنه.
وكنت وجدت مرة تعليقا على كلام للبيضاوي يقول فيه:
(وكان عليه الصلاة والسلام لا زال يبعث السرايا عليهم .... )
وكان التعليق تنبيها على خطأ ذلك، وسأبحث عنه إن شاء الله وأوافيكم به.
هذا وبالله التوفيق.
ـ[مصطفى سعيد]ــــــــ[03 Sep 2007, 04:08 م]ـ
لا يزال هناك عدم وضوح- بالنسبة لى - فى المسألة فقد قلت " فإنها تفيد الدعاء كما في قوله تعالى: (فلا اقتحم العقبة، وما أدراك ما العقبة، فك رقبة) فما هوالدعاء هنا؟ ,هل عليه أم له؟ ,أيكون عدم اقتحام العقبة فى أصل هدايته النجدين أم لتقصير منه. ولما هى فك رقبة والاطعام فقط دون باقى الصدقات والعبادات؟
فهل من مزيد ايضاح وجزاك الله خيرا.
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[03 Sep 2007, 08:14 م]ـ
وشعر عنترة في الصميم من العربية، وقوله هذا يؤيد دعوانا في انصراف أسلوب (لا زال) إلى الدعاء ...
.
جزاكم الله خيرا أستاذنا الكريم على تحليلكم الجميل، وبارك الله فيكم.
كنتُ قد قرأتُ لأحد النّقَّاد المتميّزين أنَّ (لا زال) لم تفد الدُّعَاء في قول عنترة ذاك ... وهكذا ظهر لي!
وكنتُ أرى أنَّ عنترة الشاعر البطل أراد أن يؤكِّد لعبلة ويثبت لها عزمه وإصراره على أن يدوس بلاد العراق ويفني حواضرها والبوادي، فأقسم بأنه يجوب الأرض جوبا، لا يترجَّل عن جواده، ولا يعرف الكلل والملل، ولا الراحة والاستقرار ... حتى صار ظهر جواده موضع قيلولته، ودرعه وسيفه وساده!
فشاعرنا البطل على حالته تلك التي صوَّرها بقوله (لا زال ظهر الجواد مقيلي ** وسيفي ودرعي وسادي) حتى يحقق ما يريد.
هذا ما ظهر لي أثناء قراءتي للأبيات، ولا أجد بين يديّ أو على (الشبكة) شروحات أرجع إليها، وأستأنس بما جاء فيها في بيت عنترة، فلعلكم – أستاذنا الكريم – تفعلون إن وجدتم ما نبغي.
¥