تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[قوله صلى الله عليه وسلم: (خفف على داود القرآن)]

ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[20 Jul 2007, 04:41 م]ـ

الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد ..

فقد كتب أحد المعاصرين كتاباً بعنوان: (نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث: دراسة تطبيقية على بعض أحاديث الصحيحين).

وهو كتاب متهافت، أراد كاتبه الطعن في السنة النبوية من خلال تحكيم العقل واتباع الهوى، ملبساً ذلك بكونه يتبع منهجاً مرسوماً في النقد، والحقيقة أنه إنما اتبع قواعد أهل الابتداع الكثيرة في التعامل مع نصوص السنة النبوية.

وكان من ضمن تلك الأحاديث التي تكلم عنها حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ الذي نحن بصدده، ولكون الحديث قد اشتمل على كلمة (القرآن) فقد يظن بعض القراء أن المراد به القرآن العظيم المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيقع في الإشكال الذي وقع فيه هذا الكاتب ..

ولذا أحببت الوقوف السريع مع ما ورد في هذا الكتاب حول هذا الحديث، وتجلية الأمر، ولا يفوتني أن أذكر أن الكاتب لم يتبع الأسلوب العلمي في نقد الأحاديث بل كان بشهادة الكثير ممن قرأ الكتاب متبعاً للهوى والعقل نسأل الله السلامة والعافية ...

نص الحديث:

أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خُفِّفَ على داود عليه السلام القرآنُ، فكان يأمر بداوبِّه، فتسرج، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه، ولا يأكل إلا من عمل يده" (1).

الشبهات التي أوردها المؤلف:

قال الكاتب: " هذا الحديث الذي تفرد بروايته أبو هريرة، ينسب إلى داود قراءة القرآن مع أن القرآن ما أنزل إلا بعد وفاة داود بألف وستمائة عام!!.

ثم أي قراءة للقرآن هذه التي يختم فيها القرآن كله في هذه الفترة القصيرة! مع أن رسول الله نهى عن ختمه في أقل من ثلاثة أيام، لأن القراءة عندها ستكون هَذَراً بلا تفكر، ولن تكون تلاوة بتدبر! لذلك، أوّل بعض شرَّاح الحديث لفظة القرآن فيه فقالوا إن المقصود هنا هو: (الزبور)، الكتاب الذي أنزله الله على داود، وهو تأويل خلاف الظاهر الذي يعرفه السامعون المسلمون وغير المسلمين من لفظة القرآن! " (2).

ومدار الشبهات التي ذكرها المؤلف تعود إلى أن المقصود بالقرآن هنا هو الكتاب الذي أنزله الله على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وادعى الكاتب أن هذا هو الظاهر الذي يعرفه السامعون المسلمون وغير المسلمين من لفظة القرآن، وبناء على ذلك تتفرع الشبهتان التاليتان:

الشبهة الأولى: كيف يقرأ داود عليه السلام القرآن، ولم ينزل القرآن إلا بعد أزمنة متطاولة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

الشبهة الثانية: كيف يمكن قراءة القرآن في هذه المدة القصيرة، لا سيما مع وقوع النهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث.

(الجواب على هذه الشبهات)

الجواب الأول: أنه ليس المقصود في الحديث، القرآن العظيم المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولم يقل بذلك أحدٌ من العلماء:

فلفظ القرآن لا يقصد به المعنى الذي ذكره الكاتب، بل المقصود به هو القراءة، فيكون معنى الحديث، خفف على داود عليه السلام القراءة، أي: الزبور.

وهذا المعنى هو المعروف عند العلماء وشراح الحديث:

قال ابن حجر: " وَالْمُرَاد بِالْقُرْآنِ مَصْدَر الْقِرَاءَة لا الْقُرْآن الْمَعْهُود لِهَذِهِ الْأُمَّة" (3).

وقال ابن بطال: "والمراد بالقرآن فى هذا الحديث الزبور" (4).

وقال في عون المعبود: " وَالْمُرَاد بِالْقُرْآنِ هَهُنَا: الزَّبُور" (5).

وقال ابن الجوزي: " يعني القراءة لكتابه الزبور" (6).

وقال ابن كثير: " والمراد بالقرآن ههنا الزبور الذي أنزل عليه، وأوحي إليه" (7).

فهؤلاء هم أئمة المسلمين وعلماؤهم، ولم يقل منهم أحد بأن المقصود هو القرآن الكريم، ولم يذكر الكاتب أحداً قال بهذا بل دلس وأجمل.

وقد بين العلماء أن هذا المعنى هو المقصود بأمور:

الأمر الأول: ما جاء في رواية الحديث الأخرى: (خفف على داود القراءة) (8).

وبهذه الراوية يتضح معنى الحديث، وتنتفي إرادة معنى القرآن المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

قال ابن حجر: "فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ (الْقِرَاءَة) " (9).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير