تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الثروة اللغوية]

ـ[يوسف العليوي]ــــــــ[29 Aug 2007, 02:04 م]ـ

أثر تعلم القرآن في زيادة الثروة اللغوية

سبق في مشاركة سابقة أن تحدثت عن أثر القرآن الكريم في تكوين الملكة اللسانية، وسأذكر هنا جانبًا من جوانب التأثير.


الثروة اللغوية ذات أهمية كبرى في اكتساب الملكة اللسانية بل في غيرها، فهي تساعد المرء على فهم كثير مما يقرأ أو يسمع، مما يحفزه إلى سرعة القراءة، وإلى الحديث بطلاقة، كما تساعده على الحديث عن المعنى الواحد بطرق مختلفة، والتنويع بين المترادفات ليعبر عن الموقف باللفظ المناسب له، كما تمنحه الثروة اللغوية قدرة فائقة على التفكير، وعلى التعبير عما في النفس من مشاعر وأحاسيس ورؤى وأفكار، وتمده بقدرة على التأثير والإقناع، فضلاً عما في الثروة اللغوية من تنشيط للإبداع، وتحفيز على التواصل والتفاعل مع الآخرين واستنطاق آرائهم وأفكارهم واكتساب خبراتهم.
إذا أدركنا هذه الأهمية للثروة اللغوية في التنمية اللغوية، والتواصل الاجتماعي، واكتساب الخبرات، وتنشيط الإبداع والإنتاج الفكري، ندرك ما ينتج عن فقدان هذه الثروة أو ضعفها من آثار سلبية، من عزلة اجتماعية، واضطراب في الشخصية، وضيق في الأفق الثقافي والفكري، وضحالة في الإنتاج الفكري والإبداعي، وهجران للغة ().
وإذا كان الأمر بهذه الأهمية فإنه ينبغي السعي لتنمية الحصيلة اللغوية وإثرائها. ولعل من أهم الوسائل لذلك القراءة، والحفظ، وقد سبق بيان أهمية الحفظ في اكتساب الملكة اللسانية، وأعظم ما يحفظ كتاب الله ?، الذي يمد المرء بثروة لغوية كبيرة، وقد عد قوم ألفاظه فبلغت أكثر من سبع وسبعين ألف لفظة ().
وإذا كان (لسانُ العرب أوسعُ الألسنة مذهبًا، وأكثرُها ألفاظًا) كما قال الشافعي () فإن القرآن الكريم حوى أفصحها، وأعذبها، وأشرفها، كما قال الراغب الأصفهاني: (ألفاظ القرآن هي لُبّ كلام العرب وزبدته، وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحِكَمهم، وإليها مفزع حذّاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم، وما عداها وعدا الألفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها، هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة، وكالحُثالة والتِّبن بالإضافة إلى لبوب الحنطة) ()، وقال الخطابي: (إنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حامل، ومعنى به قائم، ورباط لهما ناظم. وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة، حتى لا ترى شيئًا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه…) إلى أن قال: (واعلم أن القرآن إنما صار معجزًا لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف مضمناً أصح المعاني) ()، ثم قال: (واعلم أن عمود هذه البلاغة التي تجمع لها هذه الصفات هو وضع كل نوع من الألفاظ التي تشتمل عليها فصول الكلام موضعه الأخص الأشكل به، الذي إذا أُبدل مكانه غيره جاء منه إما تبدل المعنى الذي يكون منه فساد الكلام، وإما ذهاب الرونق الذي يكون معه سقوط البلاغة) ().
إن ألفاظ القرآن الكريم التي يحصلها المرء بحفظه له، ليست كسائر الألفاظ؛ بل هي ألفاظ قد بلغت الغاية في الحسن والفصاحة والبلاغة، سلاسةً في النطق، وعذوبةً على السمع، ودقةً في الاختيار، للدلالة على المعنى المراد دلالة فائقة الوضوح، يُلحظ فيها مراعاة الفروق بين معاني الألفاظ المتقاربة، وملاءمة الألفاظ للسياق، ومناسبة الفواصل للآي، وتصوير المعنى أكمل تصوير، يسهم في ذلك جرس الحروف الذي يوحي بالمعنى وحيًا، فيعطي للمعنى في النفس بعدًا وشعورًا عميقًا ().
وقد أكدت البحوث والدراسات الميدانية أثر حفظ القرآن الكريم وتلاوته في زيادة الثروة اللغوية من الألفاظ والتراكيب ().
ومما يدل على أثر القرآن الكريم في التزود من الثروة اللغوية تضمين البلغاء والأدباء في كلامهم معاني وألفاظًا من القرآن الكريم، أو جملاً توافق لفظ القرآن الكريم ()؛ مما يعد اقتباسًا في البلاغة العربية.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير