[دعوة للتدبر عن (سر اختلاف السلام على يحيى وعيسى)]
ـ[طارق مصطفى حميدة]ــــــــ[23 Aug 2007, 07:27 م]ـ
سر اختلاف السلام على يحيى وعيسى في سورة مريم طارق مصطفى حميدة
تعاهد بضعة عشر من أسرة مركز نون للدراسات القرآنية، قبل سنوات، إلى لقاء أسبوعي يقومون فيه بالتدبر الجماعي لآيات الكتاب العزيز بحيث يطلع كل واحد على ثلاثة من كتب التفسير، ثم يعرض كل منهم ما اطلع عليه وما ثار لديه من أسئلة، وما قد يكون فتح الله عليه من لفتات ... وقد اتفق على البدء بسورة مريم.
وكان مما لفت الانتباه ما يكاد يطبق عليه جميع المفسرين، من القول بمقتل يحيى عليه السلام .. ورأينا من الأنسب أن نختبر صحة هذه المعلومة، بالبحث عن سند لها في كتاب الله تعالى. أو في صحيح السنة النبوية ... إذ كان المنهج الحق أن لا نقبل خبراً من الغيب إلا بدليل منهما أو من أحدهما على الأقل .. وكانت الملاحظة الأولى أن الآيات الكريمة، لا تتحدث نهائيا عن هذا الأمر .. وأما بالنسبة للسنة فإن الحديث الذي صححه الحاكم في الموضوع موقوف وضعيف كما حقق ذلك غير واحد من أهل الحديث الذين سألتهم في فلسطين والأردن. فضلاً عن أن الشيخ إبراهيم العلي لم يورده في كتابه عن صحيح القصص النبوي. وكان يكفي هذا القدر في رد الفكرة السائدة أو التوقف بشأنها على أقل تقدير.
ثم كانت المفاجأة من خلال الآية الأخيرة في قصة يحيى عليه السلام وهي قوله تعالى (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا).
لقد صرح القرآن بأن هذا النبي الكريم (يموت) .. ولا ننسى أن القرآن لطالما ميز وفرق بين الموت والقتل .. خاصة إذا كان القتل (في سبيل الله) .. كما هو ظاهر في الآيات الكريمة الآتية: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات)، (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا)، (أفإن مات أو قتل)، (ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم)، (قل لن ينفعكم الفرار إ ن فررتم من الموت أو القتل).
إن يحيى عليه السلام لو قتل، بحسب ما نقله المفسرون عن أهل الكتاب، فإنه يكون قد قتل في سبيل الله .. أفيعقل أن الله تعالى ينهى المؤمنين أن يقولوا، وينهى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، أن يحسب مجرد حسبان، أن الذين قتلوا في سبيل الله أموات، ثم يخالفهم إلى ما نهاهم عنه؟؟ أيمكن أن يقرر ربنا تعالى حكماً ثم ينقضه، أو يخالفه قصدا أو نسيانا؟؟؟ .. إن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضا .. ويصدق بعضه بعضا.
وأمر آخر، لقد تحدثت الآيات عن (سلام) على يحيى يوم ولد ويوم (يموت) .. فكيف يكتب الله سبحانه سلاماً على أحد ثم تصل إليه يد بأذى أو ضرر؟ خاصة وأن السلام يعني السلامة من الأخطار والآفات، ومعها الأمن والطمأنينة وعدم الخوف.
لقد جاء في كتاب الله أنه سبحانه قد قال للنار (كوني برداً وسلاماً على إبراهيم) .. وكذلك فإن قصة عيسى عليه السلام في السورة نفسها قد انتهت بنفس الطريقة؛ أعني بالسلام وذلك في قوله تعالى على لسان عيسى (والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا)، وهذا السلام أدى إلى أنه لم يقتل ولم يصلب، كما أدى السلام على إبراهيم، من قبل، إلى نجاته من الحرق والقتل .. فكيف يكون سلام على يحيى ولا يؤدي إلى السلامة والنجاة؟
في رأيي أن الذي دفع المفسرين إلى توجيه السلام إلى معنى (التحية) دون معنى (السلامة) مع أنهم يؤكدون بأن الأصل في السلام السلامة وأن التحية معنى تابع .. هو ما وجدوه عند أهل الكتاب حول نهاية يحيى عليه السلام وما يزعمونه من خبر مقتله وقصته مع الراقصة التي يسمونها سالومي .. ما جعلهم يأخذون القصة على علاتها، سيما وأنهم لم يجدوا تفصيلا في القرآن حول نهاية يحيى، كالتفصيل الموجود في شأن عيسى ليردوا به ما جاءهم عن أهل الكتاب.
وقبل أن نمضي بعيدا في بحثنا .. فلا بد من الإشارة إلى أن القول بمقتل يحيى على الأرجح لم يأت من فراغ .. لأن الحاجة إلى السلام على يحيى ومن بعده على عيسى تدل على وجود خطر ومحاولة للقتل .. علم من علم .. وجهل من جهل .. وقد حكى القرآن بالنسبة لعيسى قول اليهود مفاخرين وكلهم ثقة ويقين: (إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله .. وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم).
وسلام عليه .. والسلام عليّ
¥