تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد اشترط علماء هذا اللسان وضوح القرينة ولذلك منعوا تسمية أبخر الفم أسدا، لأجل اشتراكهما في البخر وليس في لغة العرب أن يقول: سجدت لي الأرض إذا كان متمكنا من عمارتها وخرابها وزرعها ونحو ذلك

161

فيا هذا [الزمخشري] إن كان مثل هذا جائزا عندك داخلا في مقدور الله، فما أحل لك تأويل {علمنا منطق الطير} وأوجب عليك الإيمان بكلام النملة، وإن كان هذا الجنس عندك من المحال، فكيف صح عندك الإيمان به في هذه الآية وحدها، وإن كان هذا تفسير المسمى بالعلامة المشهود له في علوم المعاني والبيان بالإمامة، وهو كذلك في هذا الفن، فكلمة الحق لا نجحدها ولا / نحسده عليها، فما ظنك بكثير من المفسرين الذين لم يعضوا على هذا العلم بناجذ قاطع، ولا حظوا من الإتقان له بطرف صالح، فما أحق الناظر في كتاب الله تعالى بعدم الاتكال على تقليد الرجال، أو عتلى الترك لما لا يعرفه والاقتصار على الإيمان به والتلاوة وليتدبر جلالة التعبير وليعلم أنها مرتبة تقارب مرتبة النبوة لأن مرتبة النبوة التبليغ عن الله تعالى لكلامه، ولا شك أن معظم المقصود من كلام الله معناه فالمفسر له كالمبلغ عن الله سبحانه

163

ولم أقصد بالتطويل في هذا نقيصة عالم، وإنما قصدت أن يكون تالي كتاب الله تعالى عارفا بما اشتملت عليه التفاسير من الحشو الكثير حذرا من البدع يقظا فيما يحتاج إلى النظر لا يتبع كل ناعق ولا ينقاد لكل سائق، والله عند لسان كل ناطق وقلبه ونيته

164

فصل في الإشارة إلى ما يعرف به المجاز من الحقيقة

اعلم أن اللغاتبأسرها ما وضعت إلا لبيان المقاصد وإيضاحها، وأن المجاز لو صح على الإطلاق من غير شرط ولا دليل عليه لبطلت الفوائد المأخوذة من الكتاب والسنة، بل لبطل فهم بعضنا من بعض، وإذا أردت أن تعلم أن الأمر في ذلك غير ملتبس لولا الأهواء والعصبيات فانظر إلى أشعار الفصحاء وخطب البلغاء كيف يبين فيها المجاز من الحقيقة من غي لبس، فكيف يقع اللبس الشديد في كلام المعصوم من التلبيس على المخلوقين المبعوث رحمة للعالمين ? بل في كلام الله جل جلاله الذي جعله شفاء لما في الصدور ونورا لا يطفأ إذا طفئ كل نور، فقد وصفه الله أصدق الواصفين بما يجزي الصادين عنه والمتشككين من الأحكام والفصل والفرقان والنور والهدى والتبيين والعقل يدرك هذا لو لم يرد منصوصا في القرآن المبين.

فإذا عرفت هذا فاعلم أن شرط الحسن في المجاز أن يكون معلوما عند السامعين غير ملتبس بمقاصد المتخاطبين، ألا ترى أنه لا يلتبس المجاز في قوله تعالى: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} ولا الحقيقة في قوله تعالى: {ولا طائر يطير بجناحيه} وقوله تعالى: {أولي أجنحة} وكذلك لا تخفى عليك في قوله تعالى: {إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا} وعدم التجوز في قوله {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} وكذلك لا يخفى التجوز في قوله {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} ولا الحقيقة في / قوله {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها} أو أمثال ذلك مما لا حاجة إلى استقصائه من غير تعلم لعلوم المعاني والبيان ولا تقليد لعلماء هذا الشأن، بل لبقاء سامع هذه النصوص على الفطرة، وعدم ثبوت الفهم السليم بما يعمي عن البصيرة ويورث الحيرة، فهذا الأصل هو المعتمد عليه الجملي، ولذلك يفرق العامة بين قولك زيد أسد وبين قولك من غير قرينة: إن الأسد عدا على الناس ومتى قال القائل: دخلت على الملك ورأيت البلاد في يده لم يشك من لم يسمع بعلم المعاني أنه مجاز ومتى قال: دخلت على الملك فرأيت كتابا في يده أو سيفا أو خاتما لم يشك المبرز في علم المعاني أنه عنى الحقيقة، بل الباطنية الغلاة الذين يزعمون أن كل الكلام مجاز مضطرون إلى سلوك الجادة التي عليها العامة، وإلا لما وجدوا إلى فهم كلام أئمتهم ودعاتهم سبيلا البتة، فإذا تطلعت إلى معرفة ما لخصه علماء المعاني في هذا فهو البناء على الحقيقة إلا عند وضوح إحدى القرائن وهي ثلاثة لا رابع لها:

إحداها العقلية، وهي ما يعلم المتخاطبون استحالة ظاهره من غير كلفة مثل قولهم: إن البلاد في أيدي الملوك، وإن الكلام الحسن الترصيف دررا منظوم من الملاحة في سلوك، ومنه تسمية الشجعان بالأسود السود، والكرماء بغيث الوفود، ومنه: واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها أي أهلها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير