تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولما كانت حياة الإنسان الظاهرة متعلقة بالقلب والدماغ معاً على نحو ظاهر؛ فيمكن بذلك أن تتعلق إرادته وإحساساته بالقلب والدماغ معاً، فإن الإنسان لا يستطيع أن يعيش على نحو سوي إلا بسلامة قلبه ودماغه، فما المانع أن يكون بين قلبه ودماغه تعلق وثيق مؤثر على أفعاله وتصرفاته المعنوية وكذا ما نسميه بالأمراض القلبية والإحساسات والمشاعر الداخلية، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:' قِيلَ: إنَّ الْعَقْلَ فِي الدِّمَاغِ. كَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَطِبَّاءِ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد وَيَقُولُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: إنَّ أَصْلَ الْعَقْلِ فِي الْقَلْبِ فَإِذَا كَمُلَ انْتَهَى إلَى الدِّمَاغِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الرُّوحَ الَّتِي هِيَ النَّفْسُ لَهَا تَعَلُّقٌ بِهَذَا وَهَذَا وَمَا يَتَّصِفُ مِنْ الْعَقْلِ بِهِ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا وَهَذَا لَكِنَّ مَبْدَأَ الْفِكْرِ وَالنَّظَرِ فِي الدِّمَاغِ وَمَبْدَأَ الْإِرَادَةِ فِي الْقَلْبِ. وَالْعَقْلُ يُرَادُ بِهِ الْعِلْمُ وَيُرَادُ بِهِ الْعَمَلُ فَالْعِلْمُ وَالْعَمَلُ الِاخْتِيَارِيُّ أَصْلُهُ الْإِرَادَةُ وَأَصْلُ الْإِرَادَةِ فِي الْقَلْبِ وَالْمُرِيدُ لَا يَكُونُ مُرِيدًا إلَّا بَعْدَ تَصَوُّرِ الْمُرَادِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقَلْبُ مُتَصَوِّرًا فَيَكُونُ مِنْهُ هَذَا وَهَذَا ' [الفتاوى 9/ 303]. ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:'الأفئدة هي العقول التي مركزها القلب على الصحيح وقيل الدماغ' [تفسير ابن كثير 4/ 508].

فعلى كل حال: هذه الأدلة جميعاً تدل على أن محل الإرادات والخواطر وما يقع للإنسان من محبة وبغض ورضا وإنابة وما إلى ذلك أن محل ذلك جميعاً هو القلب .. وهذا القلب ليس ثمة مانع أن يكون له اتصال بالدماغ. الله عز وجل أعلم به ويدل على ذلك أن الإنسان إذا ضرب على دماغه لربما فقد عقله فهذا يدل على وجود نوع اتصال بينهما لكن ليس معنى ذلك أن محل العقل هو ذلك الدماغ فحسب، وإنما لهما اتصال، والقلب هو مستقر الإرادات، وهو محل هذه الأعمال التي نتحدث عنها.

بعد ذلك أقول: إذا كان القلب محل الإيمان والتقوى، أو الكفر والنفاق والشرك، وما إلى ذلك، فقد يسأل بعضكم: لو قطع قلب إنسان، ثم وضع له قلب إنسان كافر، فهل معنى ذلك أن هذا الإنسان سيتحول إلى عقيدة ذلك الكافر فيكون كافراً مثله؟

الجواب: لا .. والطب الحديث له تجارب في ذلك لربما قطع قلب الإنسان مدة من الزمان ثم أعمل فيه محل هذا القلب مؤقتاً آلة تضخ الدم ريثما يوضع له قلب آخر وهذا شئ سمعته من بعض الأطباء المشتغلين بطب القلوب، وأيضاً جرب الأطباء استبدال القلب لربما نزعوا قلب رجل، ووضعوا فيه قلب رجل آخر فماذا كانت النتيجة؟؟ قرأت في بعض التحقيقات والتقريرات الطبية في ذلك يقولون: إن الإنسان يعيش مدة محدودة ثم هو لا يكاد يتكلم ويتصرف ويعبر عن مكنوناته كما كان قبل ذلك، وإنما يغلب عليه لربما شئ من السكون والركود، ومن ثم لا يعرف كثيراً مدى التغير الذي حصل له بسبب تغير هذا القلب، والتأثر الذي ناله من صاحب ذلك القلب الذي نقل إليه، والذي أظنه- والله تعالى أعلم- هو أن الإنسان لا يتحول من الإيمان إلى الكفر، أو العكس، أو غير ذلك إذا نقل إليه قلب إنسان آخر، فلو جئنا بإنسان كافر ووضعنا له قلب إنسان مؤمن؛ فإن هذا الكافر إن قدر له أن يعيش ولو مدة محدودة، فإنه لا يتحول إلى إنسان مؤمن، وإنما يبقى على كفره، وتبقى له أرجاسه وأدناسه، وهكذا لو عكسنا القضية، ولكن لا يبعد أن يتأثر صاحبه بعض الأثر ,كيف لا والإنسان يتأثر بالمخالطة والنظر، ويتأثر بما يسمع، ويتأثر بالشم كما يتأثر بما يأكل، فأكل الحلال يؤثر بالإنسان كما يؤثر أكله الحرام في قلبه، كما أن اللغة أيضاً تؤثر في عقله وقلبه، ولذلك لما رأى الإمام أحمد رحمه الله ابنه عبد الله ترضعه جارية أخذه أخذة منها، ونزعه نزعاً شديداً ثم وضع أصبعه في فمه حتى استفرغ تلك الرضعة وقال لا آمن عليه من هذه الرضعة، ولما كبر عبد الله كان يعتريه شئ في بعض الأحيان، فكان الإمام أحمد يقول: 'لا آمن أن تكون من تلك الرضعة'. فلاحظ كيف تؤثر رضعة! كيف تؤثر في هذا الإنسان، ولربما في سلوكه، وفي عقله، فكيف إذا نقل إليه قلب بكامله؟! هذا خلاصة ما أظنه في هذه المسألة التي طالما سأل الناس عنها، وهذا يدل على أن القضية ترتبط بهذا العضو الصنوبري، ولكنه ليس هو القلب وحده، وإنما يتعلق به أمر معنوي يتعلق به تعلقاً مباشراً، ولهذا قال بعضهم عن القلب: هو نور وضعه الله طبعاً، وغريزة يبصر به، ويعبر به، فهو نور في القلب كالنور في العين الذي هو البصر، فالعقل نور في القلب، والبصر نور في العين ... هكذا قال بعض العلماء. [انظر مفهوم العقل والقلب ص 266].

وبغض النظر عن عبارة هذا القائل إلا أنه لاشك أن هذه القطعة يتعلق بها أمر معنوي، والدليل عليه هو الواقع الذي نشاهده.

لتحميل الكتاب ..

http://saaid.net/book/open.php?cat=82&book=1575

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير