ومما يدل على ذلك حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [أَتَاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ لَأَمَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ ... ] قَالَ أَنَسٌ: وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ. رواه مسلم وللبخاري نحوه.
فهذا واضح في الدلالة على أن المراد بالقلب هو القلب الذي في الصدر، فشق صدره فاستخرج قلبه، فأخرج منه تلك العلقة، وقال: [هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ]، فدل على أن الهدى والضلال يتعلق بهذا القلب الذي داخل الصدر، وهو هذا العضو الذي نعرفه جميعاً.
الأولى:
ربط الدليل وهو الحديث الشريف بالقضية المراد الاستدلال عليها به غير واضح عندي فالحديث الشريف واضح الدلالة على أن الذي شق منه صلى الله عليه وسلم هو " القلب " وأن الذي أخذ منه صلوات الله وسلامه عليه هو " علقة " وليس في الحديث الشريف ذكر " العقل "ألبتة، أم يا ترى هل يجوز لنا أن نقول:إن الملك لما شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم أخذ عقله؟؟؟
الثانية:
لما ذا نجعل الاختلاف في المسألة هو اختلاف أو خلاف بين أهل السنة والجماعة وبين الفلاسفة والأطباء؟ أليس في الجانبين من يقول بقول الآخر؟؟؟
وآمل التكرم بالتمعن في كلام الشيخ الإمام ابن عثيمين رحمه الله ففيه التصوير الحقيقي للخلاف وطرفيه كالتالي:
1 - قال رحمه الله:
"قال بعض الناس في القلب وقال بعض الناس: في الدماغ، وكل منهم له دليل،
فانظرإلى قوله " الناس " وقوله رحمه الله:"وكل منهم له دليل "
فالشيخ لم يجعل الخلاف لأهل السنة والجماعة مع غيرهم، وإلا لو كان ذلك كذلك - حسب ما أفهم من منهج الشيخ رحمه الله لشار إليه للتحذير منه ولبيان خطورة وضلال ذلك، ولكنه عبر ب " الناس " ومعلوم أن هذه العبارة عند العلماء الكبار لا يقصد بها العوام وإنما يقصد بها من ينتسب للعلم، وأيضاً لاحظت أن الشيخ رحمه الله صرح بأن لكلا القولين دليلاً، بغض النظر عن عدم صحة أحد الدليلين وهو ما سيشير إليه رحمه الله بعد قليل.
الثانية: الشيخ رحمه الله قال:
ولكن بعض أهل العلم قال: إن العقل في القلب ولا يمكن أن نحيد عما قال الله عز وجل لأن الله تعالى وهو الخالق وهو أعلم بمخلوقه
ويفهم من كلامه أن بعض أهل العلم قال قولاً آخر، ولم يقل عنهم الشيخ إنهم ليسوا من أهل السنة والجماعة.
خلاصة القول:
يجب أن لا " نقحم " مذهب أهل السنة والجماعة في كل مسألة، ولا أن نصور كل مسألة اجتهادية مختلف فيها بين قول أهل السنة وغيرهم؟؟؟؟؟.
الخلاف الحقيقي بين أهل السنة والجماعة وبين الفلاسفة في " العقل " ليس من منظور هذه الجزئية وليس في " محل " العقل " بل هو في شيء أخطر من ذلك وأعظم، يعرفه من عرف نظرية " العقل " في الفلسفة " تعالى الله عما يقول الفلاسفة وأذنابهم علواً كبيراً.
والله من وراء القصد.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[17 Aug 2007, 03:06 م]ـ
الكلام في هذه المسألة وأمثالها مما يتعلق بجوانب لا سبيل إلى الوصول إلى معرفتها والوصول إليها لاستئثار الله بمعرفتها - (قل الروح من أمر ربي) - يكتنفه كثير من الفرضيات والغموض والإغراب الذي لا دليل قاطعاً عليه.
فالعقل والروح والقلب وحقيقة المقصود بها فيه مجال واسع للنظر والافتراض، ولكن الجزم بقول دون آخر فيه مجازفة لاحتمال الأدلة.
وأذكر أنني اشتريت كتاباً عام 1413هـ بعنوان (النظرية الروحية) للدكتور راتب السمان، أطال فيه الحديث عن حقيقة الروح، وأنه وصل إلى أنها ليست (وهماً أو خيالاً أو صورة عقلية أو وصفاً، بل هي شيء محدد له وجود مادي من نوع خاص، وله تركيب وبنية محددة، وله وظيفة وعمل محدد، إن هذا الشيء هو شيء مختلف عن المادة والطاقة المعروفة، وهو كنه أو مكونة ثالثة أخرى إضافية للمادة والطاقة، وهذا الشيء هو الذي يقوم بالوظائف النفسية للكائنات الحية المختلفة، من إدراك ووعي وتفكير ومتعة، وتعلم وذاكرة، وسلوك حركي وانفعالي، وهو يسكن ضمن أو حول الكائنات التي تتمتع بالمظاهر النفسية السابقة (بعضها أو كلها) ويتشارك معها العمل والوظيفة بشكل محدد، بحيث إن الكائنات المختلفة تقوم بوظيفة الاستقبال والإرسال من وإلى الروح، وتقوم الروح بوظيفة وعي وخزن المعلومات والتفاعل معها وتحليلها وبناء وتركيب شكل الاستجابة اللازمة).
وأذكر أنه شبه ذلك بجهاز الحاسب الآلي، وأن الروح هي وحدة المعالجة المركزية التي يختصرونها بـ C P U . وأطال في الاستدلال والحديث، وقد ناقش هذه المسألة من وجهة نظر عدد من التخصصات العلمية هي:
علم النفس، وعلم النفس الحيوي، والفيزيولوجيا العصبية، وعلم الأعصاب السريري، والجراحة العصبية، وعلم الأمراض النفسية، والفيزياء.
وقد كتب على الغلاف الداخلي لكتابه:
(إذا لم تكن لديك القدرة أو الوقت الكافي لقراءة هذه النظرية فالرجاء عدم انتقادها لأنه من الخطأ إبداء رأيك فيما لا تعرف عنه شيئاً).
وأنا من هؤلاء فلم أقرأ الكتاب كاملاً، ولذلك أدع الحكم عليه لمن فعل ذلك. ونسال الله أن يهدينا دوماً للعلم النافع في الدنيا والآخرة.