تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومع أن تعلق الباء بـ "جاهلة" في هذا البيت من قصيدة عنترة قد يكون هو الأقرب للمنطق، ولا يمكن الزعم بإن الباء إنما تتعلق، بالضرورة، بـ "سأل"، إلا أن هذا البيت قد يكون مما هيأ الناس لتقبل إحلال الباء محل "عن" لأغراض بلاغية، كما رأينا، لم تجد تجسيداً لها في اللغة العربية أفضل مما رأيناه في الآيتين أعلاه.

أما أن تكون الأية الأخرى "واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامَ" تشير إلى كون العرب في الجاهلية كان يسأل بعضهم بعضاً بالله، فهو قول لبعض المفسرين. ونظن ظناً – مستعيذين به تعالى من كل ظن آثم - أنه قول يشوبه بعض الضعيف؛ والسبب أن الآية الكريمة إنما تخاطب الناس، كل الناس، ولا تخاطب عرب الجاهلية وحدهم. فبما أن الخطاب موجه للناس أجمعين، بمختلف لغاتهم وعاداتهم، أفلا يكون من الأنسب أن يكون التساؤل المقصود هو ذلك التساؤل الوجودي الذي يشترك فيه الناس جميعاً: التساؤل عن وجود الله؟ وقد قال بذلك بعض المفسرين [إحالة ومراجع]، وإن كانوا قد فهموا الباء على أساس أنها حلت محل "عن". فلعل الآية تقول للناس بجميع أعراقهم ولغاتهم: إنكم، في عموم أمركم، لا يفتأ الواحد منكم يسأل نفسه ويسأل غيره عن وجود الله، فها قد جاءكم هديٌ ونور من ربكم، فآمنوا بالله واتقوه. ألا يبدو هذا الفهم أنسب لحقيقة أن الرسالة المحمدية رسالة عالمية لم تتوجه، فحسب، إلى عرب الجاهلية؟

لكن هناك من يقول من اللغويون والمفسرين إن التساؤل المقصود هو سؤال العرب - في زمن البعثة الشريفة، وماقبله، أي في العصر الجاهلي - بعضهم بعضاً بالله في نحو قولهم "أسألك بالله ألا فعلتَ لي كذا". لكن نحن نعلم جيداً أن العرب في جاهليتهم، وإن أقسموا بالله، فإنهم كانوا مشركين به، مخالفين لأوامره ونواهيه! فكيف يكون ذلك "الإيمان بالله المقرون بالشرك به" هو وحده مقصد الآية الكريمة؟ إلا يمكن أن يكون قصده تبارك وتعالى - وهو الأعلم بما يقصد ونعوذ به من التطاول على مقاصده العلية بغير علم- ذلك الشعور الذي يولد به عموم الناس ويجعلهم يبحثون عن الله، على نحو ما بحث خليل الله إبراهيم عليه السلام.

هذا، واستغفر الله العظيم لي وللمسلمين، وصدق الله في كتابه في ما قصده وهو الأعلم بقصده،

فنوّرونا أنار الله طريقكم

ولكم خالص التحية والتقدير

أخوكم/ الرّيَّح عبد القادر عثمان

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير