تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن أمثلة ذلك: ما جاء في البخاري (1243) من حديث أم العلاء رضي الله عنها في وفاة عثمان بن مظعون ? أن النبي ? قال: «أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ. وَاللهِ، إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ. وَاللهِ، مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللهِ مَا يُفْعَلُ بِي». وفي قوله: «جَاءَهُ الْيَقِينُ» موافقة لقوله تعالى: ? حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين ? [الحجر: 99]، وفي قوله: «وَاللهِ، مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللهِ مَا يُفْعَلُ بِي» موافقة لقوله تعالى: ?قُلْ مَا كُنْت بِدْعًا مِن الرُّسُل وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ? [الأحقاف: 9].

وفي البخاري (3353 و3374) عن أبي هريرة ? قال: قيل للنبي ?: من أكرم الناس؟ قال: «أَكْرَمُهُمْ أَتْقَاهُمْ». قال ابن حجر: قوله: «أَكْرَمُهُمْ أَتْقَاهُمْ» هو موافق لقوله تعالى: ? إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ? [الحجرات: 13] ().

ومن ذلك ما في البخاري (1127) ومسلم (775) من حديث علي بن أبي طالب ? أن رسول الله ? طرقه وفاطمة بنت النبي ? ليلة، فقال: «أَلا تُصَلِّيَان؟» فقلت: يا رسول الله، أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا. فانصرف حين قلنا ذلك، ولم يرجع إلي شيئًا، ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه وهو يقول: ? وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ?. قال ابن حجر: (قوله: أنفسنا بيد الله، اقتبس علي ذلك من قوله تعالى: ? الله يَتَوَفَّى الأَنْفُس حِينَ مَوْتِهَا ? الآية [الزمر: 42]) ()، وقراءة النبي ? الآية لها مدخل فيما نقول.

ومما يذكر هنا ما يروى عن المعتصم أن ملك الروم كتب إليه يتوعده ويتهدده، فأمر الكتاب أن يكتبوا جوابه، فلم يعجبه مما كتبوا شيئًا، فقال لبعضهم: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت خطابك، والجواب ما ترى لا ما تسمع، وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار. قال القلقشندي: (هذا مع ما ينسب إلى المعتصم من ضعف البصر بالعربية ... ، ولا يستكثر مثل ذلك على الطبع السليم، والرجوع إلى سلامة العنصر وطيب المحتد) ().

ومن العجيب أن تكون ألفاظ القرآن جارية على ألسنة الكتاب من الكفار، ومن أمثلة ذلك ما يذكر عن أبي إسحاق إبراهيم بن هلال، الصابي لقبًا وديانة، الذي (لم يهده الله تعالى للإسلام، كما هداه لمحاسن الكلام) أنه كان (يحفظ القرآن حفظاً يدور على طرف لسانه، وسن قلمه) كما قال الثعالبي، وقال: (برهان ذلك ما أوردته في كتاب الاقتباس من فصوله التي أحسن فيه كل الإحسان، وحلاها بآي من القرآن) ().

ومن ذلك أن الأدفونش ملك الفرنج بالأندلس، كتب إلى يعقوب بن عبد المؤمن أمير المسلمين بالأندلس، بخط وزير له يقال له ابن الفخار: باسمك اللهم فاطر السموات والأرض، والصلاة على السيد المسيح بن مريم الفصيح، أما بعد، فلا يخفى على ذي ذهن ثاقب، وعقل لازب، أني أمير الملة النصرانية، كما أنك أمير الملة الحنيفية، وقد علمتم ما هم عليه رؤساء جزيرة الأندلس من التخاذل والتواكل والإخلاد إلى الراحة، وأنا أسومهم الخسف، وأخلي منهم الديار، وأجوس البلاد، وأسبي الذراري، وأقتل الكهول، والشبان لا يستطيعون دفاعًا، ولا يطيقون امتناعًا، فلا عذر لك في التخلف عن نصرهم، وقد أمكنتك يد القدرة، وأنتم تعتقدون أن الله ? فرض عليكم قتال عشرة منا بواحد منكم، والآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا، فلتقاتل عشرة منكم الواحد منا. ثم بلغني أنك أخذت في الاحتفال، وأشرفت على ربوة الإقبال، وتماطل نفسك عامًا بعد عام؛ وأراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى؛ ولست أدري إن كان الجبن أبطأك، أو التكذيب بما أنزل عليك ربك. ثم حكي لي أنك لا تجد إلى الجواز سبيلاً لعلة لا يجوز لك التقحم به معها؛ فأنا أقول ما فيه الراحة لك، وأعتذر لك وعنك، على أن تفي لي بالعهود والمواثيق والاستكثار من الرهن، وترسل إلي بجملة من عبيدك بالمراكب والشواني، وأجوز بحملتي إليك، وأبارزك في أعز الأماكن عليك؛ فإن كانت لك فغنيمة وجهت إليك، وهدية عظيمة مثلت بين يديك، وإن كانت لي كانت يدي العليا عليك وأستوجب سيادة الملتين، والحكم على الدينين، والله تعالى يسهل ما فيه الإرادة، ويوفق للسعادة، لا رب غيره، ولا خير إلا خيره. فكتب رحمه الله جوابًا على أعلى كتابه: ارجع إليهم، فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير