تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القيامة رأى من انشرح صدره وسعته ما لا نسبة لما قبله اليه فشرح الصدر كما انه سبب الهداية فهو أصل كل نعمة وأساس كل خير وقد سأل كليم الرحمن موسى بن عمران ربه أن يشرح له صدره لما علم انه لا يتمكن من يبلغ رسالته والقيام بأعبائها الا إذا شرح له صدره وقد عدد سبحانه من نعمه على خاتم أنبيائه ورسله شرح صدره له وأخبر عن اتباعه انه شرح صدورهم للإسلام فان قلت فما الأسباب التي تشرح الصدور والتي تضيقه قلت السبب الذي يشرح الصدر النور الذي يقذفه الله فيه فإذا دخله ذلك النور اتسع بحسب قوة النور وضعفه وإذا فقد ذلك النور أظلم وتضايق فان قلت فهل يمكن اكتساب هذا النور أم هو وهبي قلت هو وهبي وكسبي واكتسابه أيضا مجرد موهبة من الله تعالى فالأمر كله لله والحمد كله له والخير كله بيديه وليس مع العبد من نفسه شيء البته بل الله واهب الأسباب ومسبباتها وجاعلها أسبابا ومانحها من يشاء ومانعها من يشاء إذا أراد بعبده خيرا وفقه لاستفراغ وسعه وبذل جهده في الرغبة والرهبة اليه فانهما مادتا التوفيق فبقدر قيام الرغبة والرهبة في القلب يحصل التوفيق فان قلت فالرغبة والرهبة بيده لا بيد العبد قلت نعم والله وهما مجرد فضله ومنته وانما يجعلهما في المحل الذي يليق بهما ويحبسهما عمن لا يصلح لهما فان قلت فما ذنب من لا يصلح قلت أكثر ذنوبه انه لا يصلح لان صلاحيته بما اختاره لنفسه وآثره واحبه من الضلال وألغى على بصيرة من أمره فآثر هواه على حق ربه ومرضاته واستحب العمى على الهدى وكان كفر المنعم عليه بصنوف النعم وجحدا لهيئته والشرك به والسعي في مساخطه أحب اليه من شكره وتوحيده والسعي في مرضاته فهذا من عدم صلاحيته لتوفيق خالقه ومالكه وأي ذنب فوق هذا فإذا أمسك الحكم العدل توفيقه عمن هذا شأنه كان قد عدل فيه وانسدت عليه أبواب الهداية وطرق الرشاد فاظلم قلبه فضاق عن دخول الإسلام والإيمان فيه فلو جاءته كل آية لم تزده الإ ضلال وكفرا وإذا تأمل من شرح الله صدره للإسلام والإيمان هذه الآية وما تضمنته من أسرار التوحيد والعذر والعدل وعظمة شأن الربوبية صار لقلبه عبودية أخرى ومعرفة خاصة وعلم انه عبد من كل وجه وبكل اعتبار وان الرب تعالى رب كل شيء وملكيه من الأعيان والصفات والأفعال والأمر كله بيده والحمد كله له وأزمة الأمور بيده ومرجعها كلها اليه ولهذه الآية شأن فوق عقولنا وأجل من إفهامنا وأعظم مما قال فيها المتكملون الذين ظلموها معناها وأنفسهم كانوا يظلمون تالله لقد غلظ عنها حجابهم وكثفت عنها إفهامهم ومنعتهم من الوصول إلى المراد بها أصولهم التي أصلوها وقواعدهم التي أسسوها فإنها تضمنت إثبات التوحيد والعدل الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه العدل الذي يقوله معطلو الصفات ونفاه القدر

(1/ 107)


وتضمنت إثبات الحكمة والقدرة والشرع والقدر والسبب والحكم والذنب والعقوبة ففتحت للقلب الصحيح بابا واسعا من معرفة الرب تعالى بأسمائه وصفات كماله ونعوت جلاله وحكمته في شرعه وقدره وعدله في عقابه وفضله في ثوابه وتضمنت كمال توحيده وربوبيته وقيوميته وإلهيته وان مصادر الأمور كلها عن محض إرادته ومردها إلى كمال حكمته وان المهدى من خصه الله بهدايته وشرح صدره لدينه وشريعته وان الضال من جعل صدره ضيقا حرجا عن معرفته ومحبته كأنما يتصاعد في السماء وليس ذلك في قدرته وان ذلك عدل في عقوبته لمن لم يقدره حق قدره وجحد كمال ربويته وكفر بنعمته وآثر عبادة الشيطان على عبوديته فسد عليه باب توفيقه وهدايته وفتح عليه أبواب غيه وضلاله فضاق صدره وقسا قلبه وتعطلت من عبودية ربها جوارحه وامتلأت بالظلمة جوانحه والذنب له حيث أعرض عن الإيمان واستبدل به الكفر والفسوق والعصيان ورضى بموالاة الشيطان وهانت عليه معاداة الرحمن فلا يحدث نفسه بالرجوع إلى مولاه ولا يعزم يوما على إقلاعه عن هواه قد ضاد الله في أمره بحب ما يبغضه وببغض ما يحبه ويوالي من يعاديه ويعادي من يواليه يغضب إذا رضى الرب يرضى إذا غضب هذا وهو يتقلب في إحسانه ويسكن في داره ويتغذى برزقه ويتقوى على معاصيه بنعمه فمن أعدل منه سبحانه عما يصفه به الجاهلون والظالمون إذا جعل الوحي على أمثال هذا من الذين لا يؤمنون
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير