قالوا: فهو كاهن، قال: والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان، قالوا: هو مجنون، قال: والله ما هو بمجنون، لقد رأينا المجنون وخنقه، قالوا: هو سحر، قال: أما هذا فيشبه أنه سحر ويقول أقوال نفسه. وروي هذا بألفاظ غير هذا ويقرب من حيث المعنى، وفيه: وتزعمون أنه كذب، فهل جربتم عليه شيئاً من الكذب؟ فقالوا: في كل ذلك اللهم لا، ثم قالوا: فما هو؟ ففكر ثم قال: ما هو إلا ساحر. أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه؟ وما الذي يقوله إلا سحر يؤثره عن مثل مسيلمة وعن أهل بابل، فارتج النادي فرحاً وتفرّقوا متعجبين منه. وروي أن الوليد سمع من القرآن ما أعجبه ومدحه، ثم سمع كذلك مراراً حتى كاد أن يقارب الإسلام. ودخل إلى أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه مراراً، فجاءه أبو جهل فقال: يا وليد، أشعرت أن قريشاً قد ذمّتك بدخولك إلى ابن أبي قحافة، وزعمت أنك إنما تقصد أن تأكل طعامه؟ وقد أبغضتك لمقاربتك أمر محمد، وما يخلصك عندهم إلا أن تقول في هذا الكلام قولاً يرضيهم، ففتنه أبو جهل فافتتن وقال: أفعل .. "
وقديما قال عبد اللّه بن معاوية:
وعين الرِّضا عن كلِّ عيبٍ كليلةٌ ****** ولكنَّ عينَ السُّخط تُبْدي المساويا
وقال رَوْح أبو همَّام:
وعينُ السُّخْطِ تبصِرُ كلَّ عيبِ ******** وعينُ أخي الرِّضا عن ذاكَ تَعْمى
وقيل:
وعين البغض تبرز كل عيب ... وعين الحب لا تجد العيوبا
ولقد دافع رب العزة عن القرآن من خلال حكاية أقوال الكفار المترجمة لتخبطهم مع علمهم المتيقن بأنهم لا يلون على شيء فقال تعالى:
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} يونس38
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} هود13
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ} هود35
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} السجدة3
{أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} المؤمنون70
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} الشورى24
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الأحقاف8
{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} الطور30
الرد: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ} الحاقة41
{أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ} الطور33
إذن فالعرب يعرفون القرآن كلاما معجزا كما يعرفون أبناءهم، ويعرفون أنه ليس بشعر كمعرفتهم المتيقنة بالشعر وضروبه وفنونه.
والله الموفق
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[03 Apr 2009, 08:34 م]ـ
أذكر أن شيخنا الدكتور محمد العواجي تطرق لهذا السؤال أثناء تدرسيه مادة إعجاز القرآن، حيث وقف عند كل تهمة وجهها المشركون للقرآن:
الشعر
الكهانة
السحر
لماذا اتهموه بها؟
وما وجه الارتباط بينهما؟
ومما علق في ذاكرتي من كلامه أن وجه اتهامهم بالشعر هو ما اشتمل عليه القرآن الكريم من جرس في ألفاظه وتناسق في عباراته يجعل السامع يطرب من حسن وقعه وانتظام كلماته وحروفه حتى لكأنه شعر.!
ووجه اتهامهم بالكهانة والسحر هو الأثر العظيم الذي يحدثه القرآن في قلوب وعقول سامعيه، إذ تنقلب حياة أحدهم كلها من لحظة سماع واحدة!
ويتغير الشخص بمجرد السماع من الكفر إلى الإيمان!
وهو ما جعلهم يشبهونه بالسحر من شدة التأثير ..
وما هو والله بالشعر ولا بالسحر ..
ولكنه كلام العليم الخبير.
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[03 Apr 2009, 09:24 م]ـ
¥