(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) سورة طه
وكما هو في قوله تعالى في سورة إبراهيم:
(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) سورة ابراهيم (48)
وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لِأَحَدٍ"
أما ما يحدث من تغير للأرض والجبال فهو يكون مع النفخة الأولى نفخة الصعق وهي المذكورة في سورة الزمر وفي سورة الحاقة في قوله تعالى: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16))
الأمر الثاني: أن الله قال: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً) وهو ما يبدو لنا في هذه الحياة أن الجبال جامدة، أما ما أخبر به عنها في الآخرة فهو يصف لنا حقيقة ما يحدث من تسيير وحمل ونسف وبس ونفش ودك، وهذه كلها وردت في سياق التخويف من هول ذلك اليوم والتأكيد على أن نظام هذا الكون سيختل يوما ما بأمر الله فلا نغتر ونظن أن هذا الثبات أزلي وأنه سيبقى كذلك.
الأمر الثالث: قوله تعالى: (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) وهذا فيه إشارة إلى طبيعة هذه الحركة وهي أنها ليست حركة ذاتيه لأن السحاب لا يتحرك حركة ذاتيه بل بواسطة دفع الرياح له، ولو توقفت الرياح لبقي السحاب مكانه، وفيه إشارة أخرى وهي أن مرور السحاب مهما بلغت سرعة مروره يمر بلطف لا يؤثر على حياة الإنسان على هذه الأرض وكذلك هي حركة الأرض حركة خفية لطيفة لا يشعر بها من يعيش على سطحها. ومثال على هذه الحركة اللطيفة راكب الطائرة فهو لا يشعر بسرعتها التي قد تبلغ الألف كيلومتر في الساعة حتى لو نظر من النافذة فإنه لا يشعر بسرعتها الهائلة.
الأمر الرابع: قوله تعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) فيه لفت للعقول إلى انتظام أمر الخلق وهذا ما يتناسب مع المطلوب من الإنسان في هذه الحياة الدنيا.
الأمر الخامس: قوله تعالى: (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) وهذا التذييل للآية فيه إشارة إلى خفاء هذا الأمر على الناس، وإذا خفي هذا عليهم لكنه لا يخفى على الله الذي صنعه واتقنه، بل لا يخفى عليه ما هو أقل شأنا من هذا وهو أفعالهم مهما دقت.
فالآية بجميع ألفاظها وموحياتها لا تتفق مع ما توحي به الآيات التي تصف التغير الذي سيحدث عند قيام الساعة حيث إنه يثير الرهبة والخوف في النفوس بخلاف هذه الآية.
وأما قول المعترض أنها جاءت في سياق الكلام على الآخرة فهذا لايمنع من أنها في الدنيا كما في قوله تعالى في الآية قبلها: (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) سورة النمل (86)، فهي بمثابة الجمل المعترضة للتنبيه على أمر ما وهو كثير في القرآن.
بقي أن نقول: إذن إلى أي شيء تشير الآية؟
والجواب:
أنها تشير إلى حركة الأرض التي تشير إليها الآيات الأخرى الأقوى دلالة وهي قول الله تعالى:
(وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) سورة النحل (15)
(وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) سورة ألنبياء (31)
(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) سورة لقمان (10)
والميد هو الحركة الشديدة المضطربة، قال في تاج العروس: مَادَ الشيءُ يَمِيدُ مَيْداً ومَيَدَاناً محرَّكَةً: تَحَرَّكَ بِشِدَّة ومنه قوله تعالى " أَنْ تَمِيدَ بِكُم " أَي تَضْطَرِب بكم وتَدُور بكم وتُحَرِّككم حَرَكَةً شديدةً كذا في البصائر. تاج العروس - (ج 1 / ص 2283)
ولو كانت الأرض ساكنة في الأصل لما أحتاجت إلى تثبيت، لكنها كانت متحركة والجبال هي التي تجعل حركتها منتظمة بقدرة الله تعالى.
وإذا كانت الأدلة على حركة الأرض ليست صريحة فكذلك الأدلة على عدم حركتها ليست صريحة، وإذا ترجح عندنا أحد الطرفين فلا مانع من القول به. وقد ترجح دوران الأرض بما لا يدع مجال للشك من خلال الصور الفضائية ومن خلال الأقمار الصناعية المثبتة في الفضاء الخارجي بسرعة متناسبة مع دوران الأرض.
أما كون الأرض تدور حول الشمس فهذا مخالف لظاهر القرآن، والأصل أن نتمسك بهذا الظاهر حتى يقوم الدليل على أن الظاهر غير مراد.
وكل ما توصل إليه في هذا الشأن من قبل العلم الحديث لا يزال في حيز النظريات ولم يبلغ الحقائق العلمية القاطعة.
وللكلام بقية.
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
كتبه محب القرآن الكريم
¥