* لكن ما تقوله قد يواجه برفض شديد من قبل دعاة وعلماء، ومؤخرا نشر موقع مدارك تصريحات لأحد العلماء هاجم مفهوم الحرية الدينية، ويرى أن الدين الإسلامي لم يبح فعلا حرية التعبد والاعتقاد وحرية الدعوة .. لماذا لم يحسم الفقهاء خياراتهم إزاء هذه المسائل؟
** إن مهاجمة الحرية الدينية في الإسلام من أحد فريقين: جاهل بالإسلام وبالحرية بمعناها الصحيح، أو شخص معتدل على الطريقة الأمريكية، وكلاهما مخطئ.
فالحرية في الإسلام لها أصولها وقواعدها، كالحرية في أي نظام آخر اشتراكي أو رأسمالي، والادعاء بأن الإسلام لم يبح فعلا حرية التعبد والاعتقاد وحرية الدعوة هو محض خطأ وانحراف.
والدليل القاطع أن النظام الإسلامي يبيح بكل صراحة إبرام المعاهدات المحلية والخارجية مع غير المسلمين، أهل كتاب أو مشركين وثنيين، مع تركهم وما يدينون، فيعتقدون ما يشاءون، ويتعبدون بما يريدون، ويمارسون كل أنواع حريتهم الدينية من طقوس وغيرها.
الكافر وحق الحياة
* "الكافر في الإسلام لا يستحق الحياة" .. ما رأيكم بهذه الفتوى والرأي الذي أصدره أحد المشايخ في حوار لموقع مدارك نشر منذ عدة أسابيع؟
** إن أي رجل دين مسلم يفهم الإسلام بأدنى معطياته لا يقول مثل هذا القول الباطل قطعا، فهذا فكر متطرف، ولا يقتل الكافر حتى في ساحات الحروب الدائرة لمجرد كفره، كما عليه جمهور الفقهاء، وإنما يقاتل لحرابته وعدوانه، أو تآمره ومكيدته، أو مشاركته في الحرب برأي أو قول أو حمل سلاح أو أي فعل آخر عدواني.
والزعم بأن الإسلام يرى أن الكافر لا يستحق الحياة مصادم لآي القرآن وسنة الله في خلقه، فالله هو الخالق لجميع العباد، ولا يحق لمسلم أن يقتل مسلما، أو غير مسلم لمجرد كفره، فإن سنة الله في خلقه وجود التغاير في الأديان والمذاهب والسلوكيات، ليتبين المحق من المبطل، وليعلم من يختار الهداية والحق والتوحيد، ممن يضل ويختار الضلالة والباطل والشرك أو الوثنية.
قال الله تعالى ?وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ? (هود: 118 – 119)، ?وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ? (يونس:99) ?لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ? (الغاشية: 22) ?وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ? (العنكبوت: 18) ?فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ? (الشورى: 48) ?وإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ? (آل عمران: 20) والبلاغ: البيان والحوار لا التعمية والصراع والاقتتال والقتل.
* لكن هذا يدعونا لتعريف مفهوم الحرية من المنطلق القرآني.
** مفهوم الحرية في الإسلام ليس معناه حرية الاختيار بين الإيمان وضده، وبين الخير والشر، والحق والباطل، أو الاستقامة وعدمها، وإنما هي الحرية المسئولة من أجل خير الإنسان المتحمل لمسئولية قراره في الدنيا والآخرة، ولتحقيق النجاة والسعادة له في عالم الغيب والشهادة، ولقوله تعالى: ?لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ? [البقرة: 256]، والنص على الحرية الدينية، ومنع الإجبار على لون معين منها يشمل كل أنواع الحريات، فحكمها واحد، باعتبار أن هذه الحرية الفكرية والعقدية أهم الحريات وقمتها ورأسها.
* ما هي برأيك نقاط الالتقاء والاختلاف لمفهوم الحرية من وجهة النظر القرآنية مع مفهومها من وجهة نظر المرجعيات الوضعية الأخرى؟
** تلتقي الحرية بمفهومها الإسلامي مع المفاهيم الأخرى في ضرورة الإقرار بحقوق الإنسان، وتقدير كرامته، واعتباره، وتمكينه من إثبات ذاتيته ورأيه، وضرورة تحمله مسئولية اختياره، والتشاور في اختيار المصلحة العامة، ولكن الحرية في المفاهيم غير الإسلامية مبتورة الصلة عن المساءلة في عالم الآخرة، فهي مجرد ممارسة لشئون عالم الدنيا فقط، فهي إذن ذات أفق محدود غير شامل.
أما الحرية بالمفهوم القرآني فهي مشعرة بتقدير آفاق المستقبل في الدنيا والآخرة، وكأن الحرية لدى الآخرين التي بلا حدود أو ضوابط أقرب للتفلت والانطلاق دون تعقل أو حكمة.
¥